البلاغة الســوداء
في كل واقع مهما قيل عن فضائله وحسناته فيه بقع سوداء ومناطق رمادية والعكس صحيح ، في أردىء الأمكنة وأحزمة الصفيح ، حيث يتراكم البشر كما لو كانوا أسماكآ مجففة في العلب،ثـمة شمس تشرق وأطفال يبتسمون وأمهات يرضعن أبناؤهن ويطبخن لهم ما يتيسر حتى لو كان من الحصى .
الواقع العربي الآن يصعب الدفاع عنه ، بل يصعب حتى إنتقاء عينات إيجابية منه ، لكنه بالمقابل ليس قبرآ جماعيآ أو ركامآ من الأطلال، ما دام هناك عشب يطلع حتى من صدوع الجدران وشقوق الصخور ، وما دام هناك أطفال يولدون ويحملون أسماء منحوتة من صميم هذه الأبجدية التي يراد لها أن تكون معادلآ رماديآ للصمت . البلاغة السوداء تعبيرآ من الماسوشية بل تغذية لها كي يتلذذ المهزومون بإستمراء هزيمتهم وبإجترار ألامهم ،

ولا يصح لطبيب أقسم بشرف المهنة أن يقول لذوي مريض
حتى لو كان في طور الإحتضار أعيدوه إلى بيته كي يموت على سريره فإنه يشتبك مع المرض دفاعآ عما تبقى من العافية،
فالهدم أسهل من البناء ، ولهذا يتهرب اصحاب البلاغة السوداء
من المسؤولية وتصوير الأمر كما لو أنه بحاجة إلى معجزات .
العربي قد يكون مريضآ أو متماوتآ لكنه ليس الفريسة التي تأقلمت مع السكين ، ولم يعد يضرها السلخ بعد الذبح، فالبلاغة السوداء قد خلقت لدينا نوعآ من الإدمان على مخدرات لغوية ترضينا لبعض الوقت ، ولكن ما يترسب منها يتحول إلى ســموم وأحماض لا يسلم منها الزرع و الضرع .
دمتم بالعافية
نجيب ايوب