بتعبيرات لم تخل من القلق على مصير أطفالهم اللغوي، خصوصاً الذين يعيشون في البلاد غير الناطقة بالعربية، وخوفاً، كما قالوا، على جيلهم الذي سيتوجه إلى "القنوات الفاسدة"، ولأنهما أهم قناتي أطفال تبثان الفائدة والمعنى، والمرح من دون ابتذال، وتتحدث لغة فصيحة جميلة، أمكنها أن تجري على ألسنة الصغار من بغداد إلى مراكش، ومن دمشق إلى نواكشوط، أطلق نشطاء وإعلاميون ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، عدة حملات؛ أملاً في ثني إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية عن قرارها تشفير قناتي الأطفال الرائدتين "جيم" و"براعم"، وجعل مشاهدتهما محصورة بالاشتراك المدفوع.
وكانت مجموعة "بي إن" BEIN القطرية قد أعلنت رسمياً أنها ستضم تلفزيون"ج" وقناة "براعم" حصرياً ضمن باقة "بي إن" التي تعمل بنظام التشفير، ابتداءً من 1 أبريل/ نيسان المقبل.
وخاطبت حملات على الإنترنت، شملت عرائض للتوقيع، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإخبارية الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، للتدخل من أجل ضمان عدم تشفير القناتين من قبل مجموعة "بي إن"، وجعلهما متاحتين للجمهور مجاناً، خصوصاً أن الكثير من الأسر تعتبرهما المصدر التربوي والتعليمي الوحيد ذي المحتوى الهادف، تلفزيونياً.
وكان إعلاميون بارزون في قناة الجزيرة، على رأسهم الإعلامي الفلسطيني أحمد الشيخ، أحد أعمدة الجزيرة المؤسسين، قد انتقد في مقال له حظي بانتشار وتداول واسع على شبكات التواصل، قرار تشفير القناتين.


وقال الشيخ في مقالته التي نشرتها صحيفة الشرق القطرية: "لو فرضنا أن شبكة "بي إن" ستتقاضى عشرة دولارات في الشهر مقابل الاشتراك، فهذا يعني 120 دولاراً في السنة. مبلغ زهيد في نظر كثيرين، ولكن فقيراً في حواري الدار البيضاء أو في مخيمات اللجوء، وما أكثرها في وطننا العربي هذه الأيام! سيقول بالتأكيد إن الخبز واللباس الذي يستر العورة أولى من الاشتراك التلفزيوني".
وتساءل الشيخ: "فلماذا لا تكون "براعم" و"جيم" سبقاً قطرياً آخر (كما كانت قناة الجزيرة الإخبارية)، أو قل مأثرة؟".
بدورها، رأت الإعلامية الشهيرة خديجة بن قنة، أن "قناة "براعم" للأطفال هي الإنجاز العربي الوحيد الذي يستحق أن نرفع له قبعاتنا.. تعلّم أبناؤنا اللغة العربية الفصحى من هذه القناة، بل تعلّم أبناء الأجانب اللغة العربية من براعم".
واعتبرت الإعلامية بقناة الجزيرة أن "تشفير القناة بعد أن أُلحقت بقنوات Bein sports يعدّ تشفيراً لأحلام كل أطفال العالم العربي".
وحظي منشور لم تضمنه بن قنة سوى وسم #‏لا_لتشفير_قناة_براعم، من دون أي تعليق أو رأي، على أكثر من 850 مشاركة على فيسبوك.



وفي خطاب وجهه "عبد الله معروف" الأكاديمي وأستاذ دراسات بيت المقدس، في عريضة دشنها على موقع ipetitions الخاص بالعرائض الإلكترونية، لرئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، قال فيها إن قناتي "ج" و"براعم" تعتبران اليوم أحد أهم الأعمدة التربوية في فضاء التلفزيون،.. وهما الوحيدتان اللتان يقبل عليهما الأطفال من كافة الأعمار مع اطمئنان كامل من قبل الوالدين لطبيعة برامجهما، وما تقدمانه للطفل من محتوى نافع ومناسب لقيمنا التربوية العربية والإسلامية ولغتنا العربية الأصيلة بقالب محبب وجذاب واحترافي، بعيداً عن البهرجة الإعلامية التي تطغى على بعض القنوات الأخرى، أو المضمون اللغوي الركيك أو غير التربوي، بل المسيء أحياناً الذي تبثه قنوات مجانية أخرى كبيرة، ومجرد فكرة تشفير القناتين ومنع غير المشتركين في الباقة من مشاهدتهما يعني بالضرورة حرمان شريحة غير قليلة من أبناء أمتنا من غير القادرين على الاشتراك في هذه الباقة من هذا المصدر التربوي المهم".
وأشار إلى أن "هذا القرار لا يأخذ بالاعتبار واحدة من أهم الفئات المحتاجة لهذه المنصة الإعلامية الكبيرة؛ وهم الجاليات العربية المقيمة في الغرب، والذين يشاهدون القناتين حالياً من خلال تردد قمر هوت بيرد، ومن غير الخافي عليكم أن باقة beIN لا تتوفر إلا في الدول العربية فقط – باعتبارها تبث على مدارات أقمار تختلف عن مدار قمر "هوت بيرد"– مما يعني بالضرورة انقطاع القناتين تماماً عن الجاليات العربية في الغرب، والتي تعتبر هاتين القناتين مصدراً تربوياً لا بد منه لحفظ لغتنا وقيمنا لأبنائها في الغرب".
وأضاف، موجهاً خطابه لإدارة قناة الجزيرة: "منذ أن قررتم إطلاق قناتي "ج" و"براعم" – وقبلهما قناة الجزيرة للأطفال – فإنكم قبلتم على أنفسكم أن تكونوا أحد أهم مصادر التربية والتعليم لأطفالنا وأجيالنا القادمة، وارتضيتم لأنفسكم أن تتصدروا لهذه المهمة الكبرى وقمتم بها باقتدار، لذلك فإني أدعوكم بصدق إلى التحلي بالشجاعة واستشعار المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقكم، واتخاذِ قرارٍ لا يأخذ بالاعتبار إلا مسألةً واحدةً فقط: وهي مصلحة أجيالنا القادمة وأمتنا، وذلك بإبقاء القناتين مفتوحتين على الهواء مجاناً".



وحظيت هذه العريضة بنحو 5000 توقيع، لأشخاص يعارضون وقف إتاحة القناتين بالمجان للأطفال.
كما دشنت على موقع "آفاز" للحملات الجماهيرية، عريضة طالب فيها الموقعون بـ"المحافظة على مجانية قناتي براعم وجيم".
وقال الموقعون في الحملة التي جمعت أكثر من 2500 توقيع: إنه و"منذ عدة سنوات والمشاهد العربي المحافظ يتمتع بمتابعة قناتي "براعم" و"ج" المميزتان بمحتواهما وجودة مضمون برامجهما قبل أن تقرر إدارة الجزيرة الفضائية إنهاء هذه الحالة التربوية الفريدة بقرار تشفير القناتين، في حين يعج الفضاء بالقنوات الفاسدة والموجهة لعقول جيل نعول عليه ونعلق الآمال".

وفي مقال لرئيس تحرير قناة الجزيرة احمد الشيخ على عدم رضاه بشفير القناتين ولقد جاء في مقاله



ما أجمل أن ترى حفيدا لك في الثالثة من العمر أو أقل، إن كنت تقترب مثلي من السبعين، أو ابنا، إن كنت شابا في مقتبل العمر، يقول وقد أسرعت به دراجته وخشي السقوط "توقف! توقف"!. أو ينادي وقد علق على حافة المنضدة وخشي السقوط "أنقذوني...أنقذوني"! أو حين يحتج صبي في السادسة قائلا "هذا ليس عدلا"، وقد حولت التلفاز رغما عنه عن قناة "براعم" كي تشاهد الأخبار، كما حدث مع صديقي شحاتة من قناة الجزيرة.
أرجوكم أخبروني كم من الناس الذين درجت ألسنتهم على العامية، كل يرطن بلهجته فلا يفهم أحد أحدا، أخبروني كم من هؤلاء يستطيع أن يأتي بجملة عمر ابن شحادة الاحتجاجية تلك "هذا ليس عدلا" صحيحة وفصيحة رغم تقديم اسم ليس على خبرها؟
أتدرون من أين تعلم حفيدي آدم، ولما يبلغ الثالثة بعد، أن يخاطب دراجته بالفصحى وأن يطلب المساعدة بالفصحى؟ أو تدرون كذلك من أين وكيف تعلم عمر ابن شحادة كيف يحتج بالفصحى، وكيف استوعب فكرة العدل في هذه السن المبكرة؟ أم تدرون من أين تعلم "عزم"، ابن صديق هاني، كيف يضع مفردة "صفحة" في جملة، فور سماعها من أبيه حين قال له "صفحة" وجمعها صفحات، فقال الصبي ابن الخامسة "صفحات من حياة السلف"؟
من قناة "براعم" يا سادة! واليوم يقولون لنا بل يعلنون أنها "ستشفر" أي ستلجم عن أطفالنا، فلا يصل إليها إلا من كان قادرا على الدفع، وأنا أحدهم في الوقت الراهن على الأقل، حتى لا يقولن قائل هذا يضن بماله تعليم أحفاده.
تالله ما أنا بمنازعٍ أحدا أن يتصرف بماله كيف يشاء، لكن تعالوا معي نجري الحسبة التالية. فلو فرضنا أن شبكة "بي أن" ستتقاضى عشرة دولارات في الشهر مقابل الاشتراك، فهذا يعني 120 دولارا في السنة. مبلغ زهيد في نظر كثيرين، ولكن فقيرا في حواري الدار البيضاء أو في مخيمات اللجوء، وما أكثرها في وطننا العربي هذه الأيام! سيقول بالتأكيد إن الخبز واللباس الذي يستر العورة أولى من الاشتراك التلفزيوني.
وأنا بما أقول زعيم, وكما قال الله عز وجل "ولا ينبئك مثل خبير" يحمل الكاميرا ويسافر في كل الدنيا ويسأل الناس وخاصة فقراءهم عن هموم اللقمة واللباس، ويرى في عيونهم الضنك وعزة النفس.
اليوم، وقبل أن تلجم براعم يا سادة، يدير ابن الفقير تلفاز الأسرة القديم ويجد براعم، فيتعلم منها كيف يقوم لسانه وكيف ينطق الفصحى، فيفهم الفقير في أقصى المغرب العربي ما يقوله الفقير في أقصى المشرق، ثم يفهم الغني بدوره عليهما، مع أني أعلم أن أهل هذا الطفل الغني يرسلونه إلى مدارس أجنبية ويتباهون أن ابنهم يتقن الإنجليزية أكثر من العربية!
لقد كانت قناة "الجزيرة" حين انطلقت من الدوحة قبل 20 عاما مفخرة لقطر ومأثرة. وأنا المنتمي إليها منذ يومها الأول لا أقول هذا نفاقا ولا تزلفا، بل أدرك ما كان لهذه القناة، التي أحب وأعشق، من أثر في عودة الوعي العربي بعد عقود من الغيبة في دهاليز الاستعمار والاستبداد والهزائم.
فلماذا لا تكون "براعم" و"جيم" سبقا قطريا آخر، أو قل مأثرة؟
فإن كانت الجزيرة أحيت الوعي فإن "براعم" تحيي اللسان الفصيح الذي ينتشر به الوعي ويتقوى. وما أحوجنا اليوم للسان يجمعنا بلا لهجات ولا رطائن! وما أحوجنا اليوم لما يقوي شعور أجيالنا بالهوية العربية الجامعة، إذ تتداعى علينا الأمم من الشرق ومن الغرب، فنعجز كالخراف عن رد الضيم.
ذات زمن أيها السادة كان قساوسة أوروبا وعلماؤها يسعون إلى الأندلس لانتهال العلوم بلسان "براعم"، فاتركوه بلا لجام لأطفال فقرائنا، علنا يوما ما في قادم زمن، نتعلم كل العلوم من طب وفيزياء وفضاء وفلك وتكنولوجيا ورياضيات وكيمياء بالعربية، ونفوز بالجوائز كما يفوز الكوريون واليابانيون والروس في أولمبياد الرياضيات وقد تعلموها بألسنة أمهاتهم.