كثيرٌ من الناس يعاني من هذه المشكلة،
وهي عدم الخشوع في الصلاة، وغزو الخواطر الدنيويَّة لهم وهم واقفون بين يدي الله،
والكلُّ يعرض شكواه متأثِّراً متألِّما.
الخشوع ضروريٌّ في الصلاة
ومن رحمة الله أنَّه اطَّلع على ضَعْف العباد، فلم يجعل الخشوع شرطاً في صحَّة الصلاة،
وليس ركناً إن تركه بطلت، فإذا حاول العبد الخشوع أو لم يحاوله فصلاته صحيحةٌ على الراجح من أقوال العلماء
.
إنَّ الخشوع ضروريّ، وجديرٌ بالمسلم أن يحرص عليه،
وأن يأتي بأسبابه الموصلة إليه.
وقد عرَّف الإمام ابن القيم" في مدارج السالكين" الخشوع بأنَّه:
قيام القلب بين يدي الربِّ بالخضوع والذلّ، وإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنَّها تابعةٌ له، والخشوع محلُّه القلب
.
وعادةً ما يحاول الشيطان أن يصرف الإنسان عن خشوعه في الصلاة بمَكْرِهِ وكيده،
فيلجأ إلى الوسوسة، ويحاول أن يحول بين المرء والصلاة والقراءة،
فيلبسها عليه، فإذا حصل شيءٌ من ذلك فليستعذ العبد بالله
.
وثمرة الخشوع عظيمة، ويجب أن نحرص عليها كلَّ الحرص بالمجاهدة المستمرة،
ومنها:
تكفير الذنوب-
تحصيل الثواب الذي أعدَّه الله للطائعين الخاشعين من عباده-
استجابة الدعاء في الصلاة-
القيام بالواجبات والبُعد عن المحرمات، فقد قال تعالى:
"اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"،
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيُحسِن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت له كفَّارةً من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كلُّه"رواه مسلم
.
.
وإليك الآن بعض الأمور التي تُعين على الخشوع في الصلاة
استحضار عظمة الله ملك الملوك، وجبَّار السماوات والأرض، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبَّار، المتكبِّر
استحضار تقصيرك، وضعفك، وحاجتك إلى الله كي يعينك على الخشوع
استحضار تفاهة الدنيا، وأنَّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل، وأنَّ متاعها متاع الغَرور، وأنَّنا صائرون إلى الله ليوفِّينا أعمالنا
عدم الاستعجال في أداء الصلاة، فالعجلة قد تؤدِّي إلى ضياع بعض الخشوع، فالصلاة تحتاج إلى نفسٍ مجتمعة، وفكرٍ متدبِّر، وقلبٍ حاضر
الصلاة في أوَّل الوقت أَعْون على الخشوع، كذلك إحسان الوضوء
أداء السنن الرواتب القبلية يوقظ القلب
أداء الرواتب والنوافل يسهِّل الوصول إلى الخشوع
تقليل الحركة في أثناء الصلاة (إلا لضرورة)، فسكون الجوارح يعين على حضور القلب
استبعاد المشاغل كلِّها في وقت الصلاة، كان أبو الدرداء يقول
من فقه الرجل أن ينهي حاجته قبل دخوله في الصلاة؛ ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ
وعلينا ألا نشغل أنفسنا بأمر الدنيا في أثناء الصلاة، وأن نطرد الخواطر كلَّما وردت، وأن نستعيذ بالله من الشيطان ووسوسته. وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلِّي
"صلاة مودِّع"رواه الطبرانيُّ ورجاله ثقات
البعد عن النمطيَّة والاعتياد في الصلاة، وذلك يؤدِّي إلى عدم التأثُّر والتدبُّر،
وعلاج ذلك بالوسائل التي تعين على الخشوع والوصول بالله، مثل
:
تدبُّر معنى الأذكار والآيات التي قرئت في الصلاة
.
قراءة الفاتحة وآياتٍ جديدةٍ غير التي قرئت في الصلوات السابقة
.
تدبُّر ما يُقرَأ، والموازنة بين حالنا وحال من يمرُّ بنا ذكرهم في آيات القرآن من أهل الجنَّة
لنرى مدى تقصيرنا، أو من يمرُّ بنا ذكرهم من أهل النار وخصالهم التي تشبهنا، وهذا يجعلنا نراجع أنفسنا، ونحسُّ بالحاجة لمغفرة الله وعفوه سبحانه، وربَّما يؤدِّي بنا ذلك إلى البكاء، وهو من الخشوع
العمل على الازدياد من العلم الشرعيِّ ومعرفة الله تعالى، ومحبَّته، والخوف منه، ورجاء رحمته، والثقة بما عنده، كلُّ ذلك يؤدِّي إلى الوصول إلى الخشوع في الصلاة
التوبة إلى الله من الذنوب، وتجديد هذه التوبة مرَّةً بعد مرَّة
الإكثار من قراءة القرآن، وذكر الله، والإكثار من ذكر الموت، ومحاسبة النفس، والبعد عن الرياء كذلك
وهناك حقيقةٌ إسلاميَّةٌ مقرَّرة، وهي أنَّ الله لا يكلِّفنا ما لا نطيق، قال سبحانه
"لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إلا وُسْعها"،
فعلينا أن نسعى جهدنا إلى الخشوع في الصلاة، ولنجاهد وساوس الشيطان، ونطلب من الله العون والمساعدة.
وأنبِّه أخيراً إلى عدم تركك للصلاة أو الخروج منها أيًّا كانت الأسباب،
وذلك لسببين
السبب الأوَّل
أنَّها أوَّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وأنت بالطبع لا تريدين أن تكون إجابتك سلبيَّة، قد تقولين: "ولكنَّها صلاةٌ بلا فائدة"، فأقول:
حتى وإن كانت صلاتك بلا خضوع، فهي في هذه الحالة ناقصة، ولكنَّها ليست معدومة، والعقل والمنطق يقول أنَّ من فعل شيئاً ناقصاً فعليه استكمال نقصه لا تركه تماما، أليس كذلك؟
السبب الثاني
تركك للصلاة هو اعترافٌ منك بالهزيمة، وتسليم أمرك للشيطان، وهذا ما لا يقبله عاقل، فالواجب الاستكمال مع محاولة سدِّ العجز والنقص، وعدم التسليم للعدوّ، أليس كذلك أيضا؟
وأذكر هنا كلاماً طيِّباً للأستاذ الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى، فقد قال
"فلمَّا انتهيت من صلاتي قال لي "أي الشيطان": ما هذه الصلاة؟! أين هذه الصلاة من صلاة الخاشعين؟ إنَّ الصلاة إذا لم تكن على وجهها كان وجودها كعدمها
.
فأدركت أنَّ هذه حيلةٌ من حِيَل الشيطان طالما أضاع على كثيرٍ من المسلمين صلاتهم بها
يقول لهم: "ليست الصلاة ركوعاً وتلاوةً وذكرا، ولكنَّ الصلاة الحقَّ هي التي تنهي عن الفحشاء والمنكر، فلا يأتي المرء معها معصيةً ولا ذنبا، والتي يقف منها بين يدي مولاه لا يفكِّر في شيءٍ قطّ من أمور الدنيا
فلمَّا استقرَّ ذلك في نفوس طائفةٍ من الناس ورأوا أنَّهم لا يقدرون عليه، قالوا
إذا لم تكن صلاتنا صلاة، ولم نقدر على خيرٍ منها، فما لنا نتعب أنفسنا بالركوع والسجود في غير ثواب؟ وتركوا الصلاة جملة
.
فكان لإبليس ما أراد، مع أنَّ الله لا يكلِّف نفساً إلا وسعها، وليس على المصلِّي إلا أن يخشع ما استطاع، وأقلُّ درجات الخشوع أن يدرك معاني ما ينطق به، وكلَّما عرض له عارضٌ من الأذكار الدنيويَّة التي لا يخلو منها ذهن مصلٍّ ذكر أنَّه بين يدي الله، وأنَّ الله أكبر منها، فطردها بقوله "الله أكبر"، يفعلها كلَّما قام أو ركع أو سجد".
فاعلمي يا أختي أنَّ المبالغة في هذا الموضوع وأمثاله تؤدِّي إلى تضييع الواجبات،
وهذا يؤدِّي إلى الوقوع في المحرَّمات
و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
المفضلات