مثلما تسد الشهية أحيانآ عن الطعام أو عن القراءة
فأنها تنقطع أيضآ عن الكتابة ولو لبعض الوقت ،
ألذي أدركته هذه المهنة لا يكل من مواصلة العمل ، ولكنه يصاب في بعض الأحيان بالغثيان في القلب وصداع في الأصابع ،
لأن ما يراه يتكرر على الوتيرة نفسها والأفكار التي ينتجها البعض سرعان ما تتحول إلى سلعة شعبية تباع على الرصيف بعد أن تصبح منزوعة الجوهر والفاعلية .
لماذا ينسحب الآخرون من الحلبة أو ينتحرون عقليآ وليس جسديآ ، بمعنى آخر لماذا يقرر الكاتب الصمت لأن صرخاته ذهبت سدى ولم يسمع حيآ . ومن كثرة الكتاب في الوطن العربي أشبه بالأشجار المتماثلة ، حيث أصبحت الكتابة مجرد زفير يتبخر لمجرد اطلاقه في الهواء . وأكثر ما ينشر في عالمنا العربي يكفي لأن يجعل السماء تمطر حكمة وفلسفة وحجارة كريمة .
من أين جاء هذا الإستخفاف بالكتابة ؟
رغم أنها كانت قديمآ تنعم بقداســة تحسدها عليها كل المهن الأخرى . كانت الكتابة قديمآ كالعناق بين الناس وكان العناق اليومي بين الأصابع والأقلام حاضرآ حضورآ متناغمآ كتناغم أسرار القلوب ليست لرسائل الغرام لوحدها
هذا كان زمن الكتابة بإمتياز ، اليوم قليل من يستعملها فهي منسية في الأدراج والجيوب ، أدوات العصر تستحق المديح بل هي تستحق الغزل ايضآ لكننا في في بعض الأحيان وفي بعض الجوانب من حياتنا ومنها غفلتنا عن أنفسنا نستحق الرثاء .
حيث أن رسائل الحب مرسومة بالقلب ومرشوشة بالعطر فهذه دعوة إلى المزيد من تحقيق إنسانية الإنسان ليتمسك بالقلم التقليدي كما يتمسك بالموبايل الذي كاد يصبح عضوآ من أعضائنا وجزءآ من جسدنا . فكانت الكتابة على الحجار وعلى الأقمار وعلى سيقان الأشجار بكل الألوان وعلى الأغصان ، الكتابة فن وإسلوب هادىء ولكنه مشاغب يتنقل من لون ولون ومن غصن إلى غصن ولا ينسى واجبه البسيط وهو إيصال الكلمة البسيطة والعزف على أوتار الوجدان ، بغض النظر عن الأخطاء الإملائية .
فهل هي الحرية أم هو الإهمال أم هو الجهل الذي جعلنا أن نستخف بالكتابة ؟ حيث أن الجاهل يستطيع أن يتحدث في كل شأن أو شجن ولا يعوقه شيىء بعكس القارىء الذي تتحول المعرفة لديه إلى قيد . لا شيىء يهدد الكاتب إلا شعوره بالغثيان النفسي وهو يقرأ لمن يسمونه في الغرب فلاسفة الأحد وفي الشرق طبول الليل . فثمة من تصل أحكامهم حد الإفتاء حول قضايا إشكالية كتب عنها وحولها رفوف من الكتب بمختلف اللغات ومن مختلف الأزمنة . فهناك إنقلابات معرفية في عالم يتسارع تطوره بحيث يتعذر اللحاق به أحيانآ
المرض لم يقعد الكاتب والفقر كذلك عن الإبداع
فهناك متألقون ومبدعون يكتبون ويأكلون وهو على فراش الموت والحياة وما تيسر لهم من بيوت وهي شبه مهجورة من ثــمر الزيتون المر . وهناك روايات وكتابات من أهم رويات القرن العشرين للكاتب لورنس داريل أنجز روايته الرباعية وكذلك فرانز فانون لم تقعده الكتابة بالرغم من إصابته بالسرطان كان يقرأ التقارير يوميآ عن وضعه الصحي ليسابق الموت وينجز كتابه الشهير معذبو الأرض . إن من يعرف بضعة سطور عن مسألة ما يكررها بحرية ودون تردد في كل المناسبات ، فمن يعرف الكثير ينافس في تردده ، لأن الوفرة بعكس الشحة تؤدي
إلى المعاينة والتفحص والخشية من إبداء الراي الحاسم .
المفضلات