المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاستقلال



محمد طلال هديب
17-02-2009, 07:39 PM
الاستقلال

ان الفترة ما بين توقيع المعاهدة الاردنية البريطانية عام 1923م، وحتى فترة اعلان استقلال الاردن عام 1946م كانت حافلة بالاحداث، عدا عن النشاط السياسي الديموقراطي الحرّ الذي كفله القانون الاساسي لشرق الاردن فقد حدثت بعض القلاقل الداخلية التي سرعان ما عولجت .... ونشبت الثورة الفلسطينية عام 1936م تلك التي وقف الاردنيون معها، هذه الثورة التي رفعت علم الثورة العربية الكبرى شعاراً لها ولا زال علمها حتى الآن ... وبدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939م هذه التي كررت احداث الحرب العالمية الاولى في المنطقة ... فاشترك الجيش الاردني بفاعلية فيها، وشاركت قواته في منطقة صحراء العلمين، ودخلت القوات الاردنية الى سوريا عام 1941م لقتال حكومة فيتشي (Vichi) الموالية لدول المحور ووصلت قواته الى حمص .... ودخلت هذه القوات الى العراق اثر انقلاب رشيد عالي الكيلاني، واثناء الحرب كانت الاتصالات مع بريطانيا لاعلان الاستقلال التام للدولة الاردنية فكان رد بريطانيا ان انشغالها في الحرب يمنعها حالياً من التفكير في مثل هذه القضايا ... وما ان انتهت الحرب حتى طلب الاردن من بريطانيا ان تفي بوعودها ... فكان ذلك اولا بابرام معاهدة جديدة وقعت بشكل نهائي في 17 حزيران 1946م وقد تألفت من اربع عشرة مادة اضافة لملحق من عشر مواد، وقد نصت المعاهدة على التعاون الثنائي في جميع المجالات وكذلك اعتراف بريطانيا باستقلال شرقي الاردن وان تكون مدة المعاهدة خمسة وعشرين عاماً، وقد ادلى سمو الامير بتصريح حول المعاهدة لجريدة فلسطين التي كانت تصدر في يافا حينها في 12/5/1946م " يقول فيه " انني اعتبر المعاهدة الاردنية الانجليزية بركة على القطر وخير ما يمكنني الحصول عليه، ولا تقل اهميتها بحال عن اهمية المعاهدات العراقية- الانجليزية هذا اذا لم تكن خيراً منها....." .
لقد شهدت البلاد تطورات عديدة منذ نشوء الامارة، فقد تضاعف حجم الاردن عام 1925م اثر ضم معان والعقبة بعد اتفاقية "حِدّة" الموقعة بتاريخ 25 حزيران 1925م، ونشطت حركة المقاومة السورية ونشبت الثورة الفلسطينية ومن ثم نشبت الحرب العالمية الثانية .... في ضوء كل هذه الاحداث فان القيادة الهاشمية لم تنس الواجب القومي ولا الواجب الوطني المؤسس على فكر نهضة العرب فقد ادلى سمو الامير عبدالله بتصريح ايضاً لجريدة في يافا قال فيه حينها في 11/5/1946م.
لقد كان هدف والدي بناء عالم عربي موحد ، ويجب ان يتألف في سوريا وشرق الاردن وفلسطين دولة واحدة . ولو لم تكن هذه الدولة مقسمة اليوم لكان في مقدورها الدفاع عن نفسها ضد اي عدوان وتحقيق اماني العالم العربي ....". لقد كان الاردن اول كيان دستوري عربي يحمل صفات الدولة، وكان هذا البلد النموذج لتكوين الدولة المستقلة، ونقتبس هنا من محضر الاجتماع اثناء لقاء القمة السوري الاردني في عمان بتاريخ 28/11/1950م في عمان الذي ضم اضافة لجلالة الملك عبدالله كلا من الدكتور ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا ومعالي الزعيم فوزي سلو وزير الدفاع السوري حيث قال جلالة الملك عبدالله " اننا نحن آل البيت السبب الاول في رفعة العرب، فمجدهم الاول انبثق من بين يدي محمد صلى الله عليه وسلم ومجدهم الثاني انبثق من لدن باعث الثورة العربية الكبرى، ونحن السبب في ايجاد من نسميهم اليوم باصحاب جلالة واصحاب سمو واصحاب فخامة وغير ذلك ....
ونظراً لهذه التطورات فقد التأم المجلس التشريعي الاردني الخامس في 25 ايار 1946م تُليت فيه مذكرة رئيس الوزراء المؤرخة في 15 ايار 1946م التي تؤيد القرار الخاص باعلان البلاد باسم المملكة الاردنية الهاشمية استناداً لحق تقرير المصير ووعود الامم المتحدة ونظراً للتضحيات التي قدمها الاردن التزاماً بالمعاهدات والمواثيق، وتالياً نص القرار التاريخي الذي يعلن الاردن باسم المملكة الاردنية الهاشمية
تحقيقاً للاماني القومية وعملاً بالرغبة العامة التي اعربت عنها المجالس البلدية الاردنية في قراراتها المبلغة الى المجلس التشريعي، واستناداً الى حقوق البلاد الشرعية والطبيعية وجهادها المديد وما حصلت عليه من وعود وعهود دولية رسمية، وبناء على ما اقترحه مجلس الوزراء في مذكرته رقم 521 بتاريخ 3 جمادى الاخرة 1365هـ. الموافق 15/5/1946م فقد بحث المجلس التشريعي النائب عن الشعب الاردني امر استقلال البلاد الاردنية استقلالاً تاماً على اساس النظام الملكي النيابي، مع البيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها (عبدالله بن الحسين العظيم)، كما بحث امر تعديل القانون الاساسي الاردني على هذا الاساس بمقتضى اختصاصه الدستوري، ولدى المداولة والمذاكرة تقرر بالاجماع الامور التالية :
اولاً: اعلان البلاد الاردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية.
ثانياً: البيعة بالمُلك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية (عبدالله بن الحسين المعظم) بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الاردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة (ملك المملكة الاردنية الهاشمية) .
ثالثا: اقرار تعديل القانون الاساسي الاردني طبقاً لما هو مثبت في لائحة قانون تعديل القانون الاساسي الملحق بهذا القرار .
رابعاً: رفع هذا القرار الى سيد البلاد عملاً باحكام القانون الاساسي ليوشح بالارادة السنية حتى اذا اقترن بالتصديق السامي عُد نافذاً حال اعلانه على الشعب ، وتولت الحكومة اجراءات تنفيذه مع تبليغ ذلك الى جميع الدول بالطرق السياسية المرعية ...
اول ارادة ملكية سامية
صادق جلالة الملك المعظم على قرار اعلان الاستقلال مصدراً اول ارادة ملكية سامية موشحاً القرار بالعبارة التالية :
"متكلاً على الله تعالى اوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً لحكومتي ...." وقد جرى احتفال كبير قدمت فيه وثيقة البيعة بالمْلك وأُهديَ جلالته مصحفاً شريفاً من رئيس بلدية عمان والقيت كلمات عدة رد جلالته عليها بقوله :

" انه لمن نعم الله ان يدرك الشعب بان التاج معقد رجائه ورمز ومظهر ضميره ووحدة شعوره بل انه لامر الله ووصية رسِلَه الكرام ان يطالع الملك بالعدل وخشية الله لان العدل اساس الملك، ورأس الحكمة مخافة الله، واننا في مواجهة اعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميزان اسلافنا، المثابرون بعون الله على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع اخـواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الانسانية كلها....." .

وكان من مقررات الدولة الاردنية اعتبار يوم 8 اذار عطلة رسمية تاكيداً لاحترام عرش فيصل بن الحسين صاحب اول استقلال عربي يعلن حينها بموافقة المؤتمر السوري العام .... وتقرر استمرار رفع علم سوريا الطبيعية واقراره دستوريا كتأكيد على واحد من اهم اهداف النهضة العربية الداعي للوحدة العربية ......

هكذا كان الاستقلال الاردني الناجز ونترك التفاصيل التي تمتلئ بها الكتب التي تتحدث عنها وتزخر بها المكتبة الاردنية وكذلك مراكز حفظ الوثائق .

لقد تطور الاردن دستورياً وهو يزداد تصميماً على تحقيق الوحدة والحرية والحياة الافضل والعمل من اجل خدمة القضايا العربية فقد قاتل الجيش العربي في حرب عام 1948م وقدم الشهداء وحافظ على القدس والضفة الغربية وتمكن من ابقائهما لتكون الضفة الغربية اساس الدولة الفلسطينية …..

وحقق الاردن افضل نموذج لوحدة اندماجية في 24 نيسان 1950م عندما اعلن مجلس برلمان الشعب الاردني والفلسطيني الوحدة التامة، ولم يتوان هذا البلد عن الاشتراك في كل الجهود العربية فكان هو صاحب الدعوة لانشاء مؤسسة القمة العربية التي دعا اليها جلالة الملك الحسين المعظم طيب الله ثراه منذ المؤتمر العربي الاول عام 1964م واكتسب الاردن بفضل قيادته الهاشمية سمعة دولة مميزة جعلته يشارك من خلال قواته المسلحة في عمليات حفظ السلام وواجبات هيئة الامم المتحدة في مختلف بقاع العالم ……..

لقد كان هذا البلد دوماً بلد المبادئ والاصالة والوفاء لقيادته الهاشمية المعتز بانتمائه للثرى العربي، هذا البلد الذي يقول عنه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه:

"وبلدكم الاردن هذا هو وارث مبادئ الثورة العربية الكبرى في الوحدة والحرية والاستقلال لكل العرب، عاش على ساحة عزيزة من ساحات النضال القومي منذ رفرفت في سمائه بقيادة عبدالله بن الحسين وهو قائد من قادة الثورة العربية الكبرى ومؤسس الاردن، وقد التف حوله واعانه العديد من رجال الرعيل الاول واهل السابقة من ابناء الاردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق والجزيرة العربية وغيرها من ديار العروبة، تجمعهم آمال واحدة وتحدو مسيرتهم غايات واحدة"

ALTAYEB
17-02-2009, 10:44 PM
يعطيك العافية على جهودك الرائعه