المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاصلاح الديني



محمد طلال هديب
17-02-2009, 07:33 PM
الاصلاح الديني

صارت مفردة الاصلاح على كل شفة ولسان، ومنذ حوالي العقدين من الزمان. وقد شهد العقدان على المستوى السياسي حركية باتجاه ارتفاع شأن تيارات الاسلام السياسي، بحيث صارت الحياة السياسية العربية، ان وجدت، مراوحة بين محاولات الاستيعاب او التصدي لتلك الحركات، وليس بالوسع الآن التصدي لتحليل هذه الظاهرة بالتفصيل، لكن في الوقت الذي انقفل فيه المجال السياسي العربي، تصدت الحركات السياسية الاسلامية لهذا الانقفال، بوجوه من المعارضة والتمرد. وما كانت الوسائل دائما سياسية سلمية او مقبولة، بل اتسمت بالكثير من العقائدية، وواجهتها السلطات بعقائدية مشابهة، وبالتصدي باعتبار الظاهرة خطرا امنيا. والطريف ان السلطات كثيرا ما عيرت تلك الحركات بأنها غير ديمقراطية، او انها تتوسل الديمقراطية للاستيلاء على السلطة. والواقع ان السلطات ما كانت ديمقراطية، كما ان خصومها من الاسلاميين ما كانوا كذلك. وهناك من يريد الذهاب الى ان المخاوف التي بثها الاسلاميون بتصرفاتهم بطأت من التحرك باتجاه الديمقراطية، في حين يرى الاسلاميون انفسهم عكس ذلك تماما، فالتحدي الذي شكلته جماهيريتهم هو الذي فرض الاتجاه نحو تجديد التجربة الح**ية، وتجارب الانتخابات الحرة، والخروج على سيطرة الح** الواحد والقائد الاوحد.
وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء او ذاك، فإن امامنا الجزائر والسودان ومصر وتونس.. الخ. وهي تجارب تحفل بشتى الدلالات، وستظل شواهد للاسلام السياسي وعليه، حسبما يريد الخصوم او الاصدقاء النظر الى المسائل. ومع ان العودة للتاريخ قد تكون مفيدة هنا، فالذي نريده ليس التأريخ لظاهرة العمل من اجل الديمقراطية، بل التعرف على دلالات هذا الخمود والجمود الذي يطال الازمة والمأزق. فقد كنا نأخذ على بعض الزملاء انهم وضعوا على احد مؤلفاتهم عنوان: «ديمقراطية من دون ديمقراطيين»، ثم تبين لنا ان الامر قد يكون صحيحا. فكما لم يشتهر الح**يون من القوميين واليساريين بالنضال من اجل الديمقراطية، بل بارادة الاستيلاء على السلطة، كذلك فعل الاسلاميون، وان كانوا قد تعرضوا لضغوط لم يتعرض لها الح**يون الآخرون.
ولهذا فإن اطروحة الثقافة السياسية، والثقافة الديمقراطية قد لا تكون بعيدة عن الواقع، لكن ادراكاتها تختلف من فئة لاخرى، وينبغي التدقيق فيها. فمسعى اي ح**ي للوصول الى السلطة بالانقلاب، وليس عن طريق الجمهور، أمر جربه القوميون والاشتراكيون قبل الاسلاميين، وما قصر الاسلاميون في المحاولة ايضا. وان دل هذا على شيء، فعلى قلة ثقة بالناس وبالجمهور من جانب سائر الح**يين، واستسهال الفوز بالسلطة بالقوة، من اجل قيادة الجمهور نحو الاهداف المحددة من دون تردد.
والحديث عن الثقافة السياسية والثقافة الديمقراطية هنا له اسباب محددة. فالفئات كلها تتحدث الآن عن ضرورات الديمقراطية، بل ان الاميركيين يريدون فرضها علينا، ولا يخلو الامر من نزوع نضالي من اجلها لدى بعض جمعيات المجتمع المدني. لكن لا حماس حقيقيا لها لدى اي من الفئات التي تريد المشاركة في العمل السياسي، وتريد المشاركة في القرار، ولذلك، فإن السلطات القائمة لا تتحرك باتجاه الديمقراطية، ولا باتجاه التداول السلمي للسلطة، وهو الاساس الاول للحراك السياسي، وللانتخابات الحرة والمنتظمة. ويحتار المراقبون السياسيون في تعليل اعراض الجمهور عن الحراك من اجل مباشرة الامور بنفسه، رغم الازمة الخانقة اقتصاديا وسياسيا، ورغم الجراح التي نعانيها قوميا واسلاميا. وقد حاول احد الزملاء فهم ذلك بضرب المثل بصنع الله ابراهيم، وسعد الدين ابراهيم، كان سعد الدين ابراهيم. وهو عالم اجتماع معروف، وصاحب مركز ابن خلدون للابحاث ـ قد قدم كتابات، وقام بمشروعات نضالية من اجل الديمقراطية. فتصدت له السلطات، وحولته للمحاكمة، واتهم بالخيانة، وسجن ثم برأته المحكمة، وان يكن قد عانى في السنوات الماضية كلها من اعراض المثقفين وتوقف كل الناس عن الدفاع عنه. اما صنع الله ابراهيم، فهو روائي مصري يساري معروف، وحصل قبل اسبوعين على جائزة الرواية، فرفضها في خطاب مشهور، بحجة ان الدولة المصرية مقصرة قوميا، وفاسدة داخليا، ومع انه لا شأن للدولة بحصوله على الجائزة، وان تكن هي التي تدفعها، لكن صفق له الجميع او الاكثرية، لاتصال ما قام به بالموضوع الوطني القومي. وما يريده جهاد الزين، الذي كتب عن هذا الفارق بين الحالتين. ان الوعي الجماهيري، ووعي المثقفين يركز على الوطني والقومي دون الديمقراطية، ولذلك كان هناك اعتزاز بما قام به صنع الله ابراهيم، واعراض عما حاول سعد الدين ابراهيم القيام به! ولست ادري اذا كان يمكن فهم المسألة على هذا النحو، لكن لا شك اننا لا نسير باتجاه نهوض ديمقراطي، بسبب اصرار الحاكمين، ولا مبالاة الجمهور، وضغوط الاميركيين. فكما يصر الحاكمون على السير بعكس ما يتوقعه الناس منهم، كذلك يتسبب الاميركيون بضغوطهم العلنية من اجل الديمقراطية في تأخير او تعطيل امكانيات التقدم نحو الديمقراطية والحريات. فهم يحتلون ويهددون بالاحتلال، ثم يقولون انهم يقومون بعمليات تحرير وحريات، ثم هم يفصلون بين الوطني والديمقراطي بطرائق تجعل كل عربي يأبى تلك الديمقراطية. ففي فلسطين يصر الاميركيون على ان مشكلة الفلسطينيين الفساد والارهاب. والفساد والارهاب المفروض انهما مرضان، يتسبب بهما الفلسطينيون ضد انفسهم! وبعد هذا يقال لهم: تخلوا عن الارهاب (اي المقاومة)، والفساد (رئاسة عرفات) فتقوم الدولة الفلسطينية، في حين يدعمون شارون بطرائق لا تدل على تقدم باتجاه الدولة. والشيء نفسه فعله الاميركيون ويفعلونه في العراق. وليس هناك ما يدل على انهم يستحثون الدول العربية الاخرى على الانتخابات الحرة، والتداول السلمي للسلطة.
ثم هناك الامر الآخر الذي يعيدنا الى سؤال الاصلاح الديني. فهناك حديث كثير منذ احداث 11سبتمبر، على ان الاصلاح الديني، وتجديد الخطاب الديني، ينبغي ان يتقدما على الاصلاح السياسي، باعتبارهما يشكلان العقبة دونه حتى اليوم. ويتضمن ذلك اتهاما للجمهور بأن الانفتاح السياسي غريب عنه لأنه متدين، ولا بد من حركة تنويرية في الدين، من اجل ان يكون ذلك مقدمة للتنوير السياسي، وانا ارى ان ذلك غير صحيح على الاطلاق. فالاصلاح الديني عملية طويلة ولها جوانب اكاديمية وعلمية، واخرى ثقافية، وآلياتها غير آليات الاصلاح السياسي. والاصلاح السياسي عملية معروفة البدايات والآليات والآفاق. وقد جربت ذلك اكثرية الشعوب العربية، ونجحت التجربة. ولهذا لا ارى علاقة تعاقبية بين الامرين، واعتقد ان الاصلاح السياسي اسهل وانجع، بل انه قد يفيد في التقدم نحو الاصلاح الديني وليس العكس. فلا حاجة للتهرب من العمل السياسي الاصلاحي، بحجة اصلاح الامر الديني.

ALTAYEB
17-02-2009, 10:59 PM
يعطيك العافية على جهودك الرائعه

محمد طلال هديب
18-02-2009, 01:18 PM
نورة الصفحة اخي العزيز