المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لامانـــــــــــــــــه



حمودي الكبيسي
26-01-2009, 08:27 PM
يقول الله سبحانه وتعالي في سورة النساء:
{إنَّ الله يأمرُكُم أن تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهلها وإذا حَكمتم بين النَّاس أن تحكُموا
بالعدلِ إنَّ الله نِعِمَّا يَعظُكُم به إنَّ الله كان سَميعاً بَصيراً(58



والأمانة كلمة واسعة الدلالة فى التشريع الإسلامى ، فهى إدراك قوى من الإنسان
بمسئوليته الكاملة أمام الله فى كل أمر يوكل إليه من قول أو عمل ما ،
قال أبن عمر رضى الله عنهما :
( سمعت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ،
فالأمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته ،
والمرأة فى بيتها راعية وهى مسئولة عن رعيتها ،
والخادم فى مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته ) ،
اخرجه البخارى ومسلم
وعامة الناس يفهم مدلول الأمانة بمعناها الضيق
وهو حفظ وديعة معينة لديهم سواء كانت أموال أو نفائس أخرى ،
ولكن الأمانة ملولها فى الشارع أوسع من ذلك وأعمق ، والأمانة هى فريضة على المسلمون يتواصون بها ويســـتعينون بالله على حفظـــها ، مثال ذلك حينما نكون على ســـفر نقول
: ( نستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه ) ،
ونقول أيضاً ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك )
والرسـول "صلى الله عليه وسلم" فى أحاديثه الشريفة كان يوصى المسلم على الأمانة ،
وهو القدوة الواضحة فى الأمانة فى عهد الجاهلية ،

ويقول "صلى الله عليه وسلم" : لاإيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا دين له ،
وإن شقاء العيش وسوء النقلب هو أسباب من عدم التمسك بفريضة الأمانة ،
وعدم الأمانة هو خيانة ، والخيانة ضياع للدين والدنيا ،
فرسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" فى الجاهلية قبل إنتشار الإسلام ،
وقبل الفتح كان يطلق عليه قومه " الأمين " لما له من مسئولية أمام ربه
فى إدراك المعنى الجازم بالأمانة
كذلك نبر الله موسى عليه السلام قبل أن ينبأ حينما قام بالسقاية لأبنتى
الرجل الصالح كان معهم أميناً متمسكاً بعفة المسلم الحق الشريف
، وترفق بهما وسقا لهما ، ثم إستراح فى الظل ،
قال الله تعالى : " فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلىً من خير فقير ،
فجاءته إحداهما تمشى على إستحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا ،
فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ،
قالت إحداهما يأبت إستأجره إن خير من إستأجرت القوى الأمين " ،
[القصص:٢٦]
فبالرغم من شدة الفقر والغربة ، ومطاردة الظالمين له لكن تمسك بالفضيلة والأمانة ،
وعرف حق الله ، وعرف حق العباد ، هذا هو جوهر الأمانة فى التشريع
والأمانة لما لها من معنى ومدلول كبير فى التشريع ؛
فكان إختيار الله لرسله الكرام ممن يتصفون بالأمانة والقوة والفضيلة والشرف
وعزة النفس ، معتصمين بحبل الله المتين

والأمانة فى الآخرة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها ،
وصلاح النفس لا يكون بالعلوم فقط ، وبالسيرة الطيبة ، وحسن الإيمان !
ولكن يكون بالتأهل لإدارة الشئون والأعمال ؛
أى أن نصطفى أخير الناس فى القيام بالأعمال دون الميل لهوى أو وساطة قرابة أو رشوة فهذه تكون خيانة للأمانة


روى الحاكم
قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم "

( من أستعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) ،

وقال " صلى الله عليه وسلم أيضاً :
( من ولى من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله
لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنــم)

والأمة التى تضيع الأمانة فيها هى الأمة التى تطيش بها الأقدار ،
ودل رسولنا الكريم على هذا بأنه من مظاهر الفساد فى الأرض وأنه من علامات قيام الساعة ، وجاء أبو هريرة
يسأل رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
قال : متى تقوم الساعة ؟ فقال له : إذا ضيعت الأمانة فأنتظر الساعة !
فقال : وكيف إضاعتها يارسول الله ؟ قال : إذا وكل الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة

والأمانة الحرص على أداء واجب العمل ، وأداء الإحسان فيه ، وليس أكبر خيانة
ولا أسوء عاقبة من المرء الذى يتولى أمور العامة فنام عنها حتى أضاعها


ومن الأمانة ألا يستغل المرء مركزه لمنفعة شخصية له أو لأقربائه ،
وعن بريدة
قال "صلى الله عليه وسلم"

( من إستعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعده فهو غلول ) ،
وقال الله تعالى : " ومن يغلل يأتى بما غل يوم القيامة ،
161ال عمران

انظروا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ..
وقد جيئ إليه بمسك وعنبر من مصر ..
ليبيعه ويجعل ثمنه في بيت مال المسلمين ..
فقال رضي الله عنه : وددت أني وجدت امرأة جيدة الوزن ..
تكسر هذا الطيب وتبيعه وتجعل المال في بيت مال المسلمين ..
فقالت امرأته : أنا أفعل ذلك يا أمير المؤمنين
قال : فافعلي

فأخذت النساء تأتيها .. وتكسر العنبر بيدها وتزن لهن وتبيع ..
فكانت إذا التصق بيدها شيء من الطيب مسحته بخمارها

فلما أقبل عمر في الليل .. ناولته المال .. فلما دنا منها .. شم فيها طيباً ..
فقال : أشتريت من الطيب .؟ قالت : لا .. قال : فمن أين هذه الريح ؟
قالت : كان يبقى في أصابعي فأمسحه بخماري

فقال : سبحان الله .. النساء يشترين بأموالهن .. وأنت تتطيبين من مال المسلمين ..
ثم جبذ خمارها من على رأسها .. وقام إلى قربة معلقة في السقف ..
فصب منها على الخمار .. وأخذ يغسله ويعصره ويشمه ..
فإذا أثر الطيب باق فيه .. فكشف البساط ..
ثم جعل على التراب ماءً وأخذ يفرك الخمار على الطين ..
حتى ذهبت الرائحة .. فغسله ثم ألقاه إليها
خوفاً عليها من دقيق الحساب .. وأليم العذاب ..
والله يقول :
( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة
عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)



والمسلم الذى يأخذ الحق ويعطى الحق كالمجاهد فى سبيل الله ،
وهناك أيضاً مدلول للأمانة فى الجوارح التى أنعم بها الله علينا ،
فجميع حواسنا يجب أن نسخرها بأمانة ،
وأولادنا أيضاً أمانة يجب أن ندرك أنها ودائع من الله نصونها ونسخرها لله وفى الله ،
وأموالنا أمانة لدينا يجب أن ننفقها فى مرضاة الله ،
ولا نفتن بها عن طاعة الله أو عبادته ، ولانستقوى بها على خلق الله أو على القيام بالمعاصى ،
قال تعالى :
" ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ،
وإعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وأن الله عنده أجر عظيم
" الأنفال 27 – 28


ومن الأمانة أيضاً حفظ الأسرار التى يأتمنها الناس لدينا ،
وعدم ترك اللسان فى أن يفشى أسرار العباد ، وأيضـاً الأمانة بين المرء وزوجه
قال "صلى الله عليه وسلم "
إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة :
الرجل يفضى إلى أمرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها
ونأتى فى مفهوم الأمانة عند العوام من الناس
وهى أمانة الودائع فيجب الحفاظ عليها وردها إلى أصحابها عند طلبها . ،
ونكون فى ذلك نقتدى برسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم"
حينما هاجر وترك ودائع المشركين لـ على بن ابى طالب رضى الله عنه
ليسلمها نيابة عنه إليهم وهم اللذين أضطروه إلى ترك وطنه
وقال تعالى :
" أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا " الأحزاب 72

ومن هذه الآيه نستخلص أن الذين غلبهم الظلم والجهل خانوا أماناتهم
فحق عليهم عقاب الله ولكن أهل الإيمان والأمانة هو أهل التقوى وأهل المغفرة ،
ومن هنا تكون السعادة القصوى أن يوقى الإنسان شر عذاب النفاق مع الله فى الآخرة ،
وشر شقاء العيش فى الدنيا أولاً

raad
29-12-2009, 02:13 PM
جزاك الله كل خير