المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ╣▓◄ كيف تتعايش مع ذنوبك.►▓╠



marj
20-03-2015, 09:41 PM
http://img21.imageshack.us/img21/2246/176502815cn0.gif
نتحدث عن أمراضنا المزمنة، ذنوبنا التي أصبحت جزءا منا، واندرجت ضمن عاداتنا التي لم نعد نقدر على التخلي عنها، لأننا حاولنا مرارا ولم نفلح في ذلك، وكلما تذكرناها أو وقعنا فيها، شعرنا بذلك الشعور المحبط الذي يستيقظ بين الفينة والأخرى، فنحس بأننا مستسلمون لقيادها، ضعفاء أمام جاذبيتها، وننظر فنرى الهوة المفزعة التي تحدثها هذه الذنوب بيننا وبين ديننا وقيمنا.

قد يكون شرب الدخان واحدا من هذه الأمراض المزمنة، وقد يكون المرض شيئا أكبر من ذلك وأشد، أو قد يكون أصغر وأقل خطرا، وقد يكون ذنبا فرديا نمارسه في خلواتنا، أو سلوكا جماعيا يقحمنا فيه المجتمع إقحاما، وتفرضه علينا علائقنا الاجتماعية، ولو مثلت بالغيبة وأكل نبات القات لما أبعدت.

الذنوب التي نتكلم عنها تحديدًا، والتي نحاول التعايش معها، هي ذنوب لها صفة الإدمان، بحيث أن الإقلاع عنها أمر شاق على النفس، فهي تغذي نفس الإنسان وتعطيها نصيبها من الخطأ وجرعتها من المعصية التي لا ينفك عنها بشر، بحيث تصبح مقدار ما يحتاج إليه ليرضي بشريته، وليحس بشيء من ذلك التمرد الذي يغذي غروره ودلاله على ربه
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾ [العاديات: 6، 7]

وقبل أن أدخل في الموضوع، أحيي الثلة القليلة من الآخرين، السابقين السابقين
﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]
فأولئك عن مقالتي مبعدون، وأرحب بالذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، عسى الله أن يتوب علينا وعليهم،
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118].

إن ضرورة الوقوع في الذنب هي أمر جبل الله عليه الثقلين من الإنس والجن، ولم يعصم منه إلا ملائكته المقربين، وأنبياءه المجتبين،

إذن لا يمكن أن نتصور إنسانا بغير ذنوب، ولا يعقل هذا، بقي أن هذه الذنوب منها ما يقع فيه الإنسان مرارا، ومنها ما يقع فيه بين الفينة والأخرى، وهذه التي يقع فيها باستمرار هي التي نريد أن نطرح حلولا عملية للتعايش معها، حتى لا تؤثر على الإحساس الديني لدى الشخص، وحتى يتمكن من التملص منها شيئا فشيئا دون أن يحس باليأس والإحباط في مواجهتها.

إن تعايشنا هنا، هو تعايش مع عدو لا نستطيع طرده، ومع مرض مستعص لا نملك استئصاله، وهو محاولة في حصر ضرره، وكفاية شره، وقد يقول قائل إن كان الإنسان قد وقع في المعصية، فماذا بعد ذلك، وأي شر يخاف من الذنب بعد الوقوع فيه واقترافه، وأي سوء يحذره وقد ولغ في ما حرم الله عليه، فأقول له: إن هناك آثارا للإصرار على الذنوب قد تكون في بعض الأحيان شرا من الذنوب نفسها، وأذكر لك منها:
اليأس من التوبة:
فيصير الذنب حالة طبيعية لا تستدعي من المذنب ندما أو استغفارا، بل لربما شعر بالحاجة إلى الاستغفار إن هو وقع في ذنب آخر، لكنه مع ذلك الذنب بالذات، لا يحس بالدافع إلى التوبة ولا بالباعث لها، فالذنب المألوف أصبح عادة لا تستثير أي خوف أو قلق لديه، لأنه يئس من التوبة من ذلك الذنب بالخصوص، بعد أن حاولها مرارا ولم يستطعها، فتجده استغفر ثم استغفر، ثم تاب وندم، ثم عزم أن لا يعود، ثم عاهد ربه على أن لا يرجع، ومع ذلك يعود بعد كل توبة، ويسقط بعد كل محاولة نهوض، فييأس من التوبة ويقع فيما هو شر من ذنبه وأعظم من جرمه لأنه:
﴿ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]
وهذا ما يجعل الشيطان ينتقل من هذه المعركة إلى معركة أخرى، فإلفك الذنب يفتح للشيطان بابا آخر لينقلك إلى ذنب غيره، ويمرغك فيه حتى تألفه هو كذلك، ثم ينتقل بك إلى ذنب آخر، وهكذا دواليك، حتى تصير كالعصف المأكول، تقلبك الريح في فلاة المعصية يمنة ويسرة.

الشعور بحالة الفسق:
وهي حالة تجعل الإنسان يحس بأنه بعيد عن الله، وأنه مطرود من بابه، وأن التدين شيء لا يستطيعه ولا طاقة له به، وينظر إلى حالته أنها ميؤوس منها، وأنه مهما حاول فلن تصلح حاله، وأن ذنبه هذا متمكن منه أشد التمكن، وأن معاناة التخلص منه معاناة لا ينتج عنها إلا تجديد الإحساس بالذنب، وقد يكون سبب هذا الشعور، ذنب صغير مما تكفره خطى المساجد، ويغسله الوضوء، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:
((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) لكن الشيطان يعظم في نفسه الذنب، ويكبره في قلبه، ويعجزه عن الاستغفار، فيحتقر نفسه عندما يرى أهل الطاعة، ويظن أنهم سبقوه كثيرا، مع أنه قد يكون قائما بالواجبات، حريصا على الخيرات، محبا للصالحين، قريبا منهم بقلبه السليم، وسريرته النقية، لكن الشيطان يخيل إليه أنه بعيد أشد البعد، وأن محاولة الصلاح هي محاولة محكوم عليها بالفشل منذ البداية، وأن مداه في الغواية بعيد، وإغراقه في الضلالة عميق، ويصل به إلى حالة خطيرة جدا، وهي ضمور حب العمل الصالح في قلبه، وتزهيده في الخير، إذ يخيل إليه أن الانخراط في سلك الصالحين يعني الاستقامة التامة، والبعد الكامل عن الذنوب، وما دام قد فشل في ذلك، فما ينفعه العمل الصالح، وما تنفعه المسارعة للخيرات.

إن هذه الطريقة الخبيثة من إبليس، واحدة من طرقه الماكرة في تحبيط الإنسان عن الخير، مع أن له طرائق أخرى، لكن خطته هنا أن يهول الذنب في عين صاحبه، ويجعله يحس بهوة كبيرة بينه وبين الصالحين، والحاصل من هذا الشعور أن الإنسان يألف من نفسه صفة المتمرد على أوامر الشريعة وحدودها، بحسب ما يخيل إليه الشيطان، وهو في الحقيقة لا يعدو أن يكون من سائر الناس الذين يذنبون ويخلطون عملا صالحا وآخر سيئا، عسى الله أن يتوب علينا وعليهم.

الاستسلام للذنب:
وهذا شعور يجعل الذنب مسيطرا على صاحبه، متمكنا منه، لا يفكر في التخلص من رِبقته، ولا يسعى في الفكاك من سلطته، يحس بأن ذنبه ذاك قدر محتوم، وشؤم لازم، فلا يحرك في دفعه ساكنا، بل قد تجده لا يستغفر من إثمه، ولا يسأل الله أن يعافيه من شره.

التحايل لعدم الاعتراف بالذنب: وهذه من شر البلايا، ومن أسوأ ما يمكن أن يقع فيه صاحب المعصية، إذ يتولد لديه دافع قوي للتهرب من الذنب بطرق غير حميدة، وذلك من خلال التحايل لعدم الاعتراف بالذنب، فيبحث عن الفتاوى الشاذة، والأقوال الغريبة، وتجده يفرح بأي قول يبيح له الوقوع في ذلك الذنب، ولو كان من أي عالم، فتجده سرعان ما عرف علماء بلاد بعيدة، وعرف أسماءهم وحفظ أقوالهم، لا لشيء إلا لأنهم أفتوا له بجواز الوقوع فيما وقع فيه، ومتى ما صار لديه هذا الميول عمي عن الحق، وبدأ يغمض عينيه عن الأدلة الواضحة الصريحة، فأصبح من أهل الهوى بعد أن كان من أهل المعاصي فقط، وأعجبته الشبهة إذ وافقت الشهوة، وأصبح يزعجه أن يسمع أدلة التحريم، وينحاش منها كما ينحاش الصحيح من السقيم، وصارت جرأته على الذنب مصحوبة بجرأة أكبر منها على النصوص الشرعية، وأقوال أهل العلم المعتبرين، فأغلق باب التوبة من ذلك الذنب إلى الأبد، وهذا حصل لكثير ممن فتنوا بسماع الأغاني، ولجؤوا إلى هذه الفتاوى الشاذة حين أعيتهم التوبة ومقاومة الذنب، ولم يستطيعوا أن يتعايشوا مع الذنب تعايشا صحيا.

فماذا نعني بالتعايش الصحي مع الذنوب التي نقع فيها باستمرار؟
نعني به أن يكون موقفك منها إيجابيا رغم أنها تهاجمك بين الفينة والأخرى، بحيث تكون سقطتك مدروسة، لا ينكسر لك فيها عظم ولا ينخدش لك فيها لحم، بل تصعد من الحفرة وأنت غير فارغ اليدين، وبعبارة أخرى أن تحاصر ذنوبك في مجال تأثير ضيق لا يتعدى كونها سيئات أنت مستعد لها تماما.

وهذا التعايش يحقق مجموعة من الأهداف، منها أن محاولة الخروج من قيد الذنوب تبقى مستمرة أثناء التعايش ولا تخبو أبدا، ومنها أن الذنب لا يسيطر على صاحبه ولا يجعله يستسلم لدوافعه، ومنها أن إحساس المذنب بأنه عاص متمرد لا يطغى على إحساسه بأنه عبد لله يقلبه في أقداره، ويتوب عليه إن شاء متى شاء.

والتعايش مع الذنوب، ينبني على مجموعة من الأسس:
أولا: كن صريحا مع ذنبك.
فالذنب ذنبك، وأنت اقترفته بملئ إرادتك، فلا تتهرب منه، وهذه أول خطوة للتعايش الصحيح مع ذنوبك، أن تعرفها وتعترف بها، دون أن تعطيها أكثر من حجمها، ودون أن تخرجها من دائرتها، فهي ذنوب صدرت من عبد ضعيف يرجو رحمة مولاه، ويخاف عقابه، وينتظر عفوه ومغفرته، وليست فسوقا وتطاولا، وجحودا لنعمة الله، فلا تحاول التهرب من هذا الواقع بإنكاره أو نسيانه، بل استحضره في كل مرة تذنب فيها، ولا تترك المجال لهواك أن ينكر كونه ذنبًا، ولا لغفلتك أن تنسيك إياه، وانظر إليه بعينين، عين باكية لله عز وجل نادمة، وعين تنتظر التوبة، وتستبشر بالعفو القريب.

ثانيا: التقدير الصحيح للذنب.
الذنوب قسمان، كبائر وصغائر، وهناك قاعدة أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، لكني لا أوافق على هذه القاعدة، ولا أرى عليها دليلا يمكن الاعتماد عليه، وليس المجال مجال إثبات ذلك، لكن على الإنسان أن يقدر الذنب ويقدر حجمه ووقته وظرفه، لأن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، تقسيم مهم من ناحية وضع كل ذنب في محله، وكثير من الناس يخلط بين الدرجتين، والتحصين المثالي، أن يجعل لكل من النوعين أساليب وقائية، تختلف عن النوع الآخر، ولو جعل النوعين سواء، لأدى تجرؤه على الصغائر إلى تجرئه على الكبائر، والله أعلم.

ثالثا: امسح جبينك واغسل يديك:
عندما تلطخ يديك بشيء ما، فإنك تبادر إلى غسلهما وإن كنت تعلم أنهما سيلطخان مرة أخرى، فلا يعقل أن تترك غسل يديك بحجة أنهما سيتسخان من جديد، ولو قال لك قائل: لا تغسل يديك فإنك وإن غسلتهما فإنهما لن يبقيا نظيفتين، فستجيبه بأن العقل يقتضي غسلهما إلى حين أن يتسخا من جديد، فضرورة اتساخهما مرة أخرى لا تنفي ضرورة غسلهما كل مرة.

هذا هو منطق التوبة، فالتوبة بمثابة المنظفات الذي نغسل به أنفسنا حين نلطخها بالذنوب، وضرورة هذا الاغتسال متجددة باستمرار، لأن الامتناع عن الذنوب مطلقا أمر لا يمكن أن يحصل أبدا، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ))، وبهذا نعلم لم كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة!

إن التعايش مع الذنب يقتضي الاستعداد للتوبة المتجددة في كل مرة يقع فيها الإنسان في الذنب، فالاستعداد الدائم للتوبة هو ملاذ المذنبين، وهو العلاج الأمثل الذي يقضي على أوساخ الذنوب، ويغسلها باستمرار حتى لا يبقى من درنها شيء، قال صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى: (( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ هل يبقى من درنه شيءٌ قالوا لا يبقى من درنه شيءٌ قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ))، وكذلك التوبة إذا تكررت من الإنسان، فإنها لا تزال تغسل ذلك الذنب حتى تمحوه، أو يعفو الله عن صاحبه، فيقلع عن ذنبه إلى غير رجعة.

إنك في كدحك إلى ربك لفي مسيرة طويلة، فامسح جبينك كل ما أحسست بالتعب، واغسل يديك كل ما رأيت بهما الأوساخ.

رابعا: النصر قريب والحرب مستمرة:
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح، تصرعها مرة وتعدلها، حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية، التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة.

إن معركة الذنوب معركة طويلة الأمد، فعلى العاقل أن يطيل النفس، ويكثر الذخيرة، ويركب عزمه ويجنب يأسه، فليست معركة الذنوب معركة تحسمها في يوم وليلة، إنها معركة متجددة، سجال، يوم لك ويوم عليك، فلا تنظر لذنوبك إلا كعدو يتربص بك أن تضع سلاحك فيميل عليك ميلة واحدة، فابعث عليه عيون الحيطة والحذر، وتترس منه بحصن الدعاء، واحمل عليه بعساكر الاستغفار، واسدد عليه منافذ إمدادات الهوى والشهوة التي يتقوى بها عليك، واقطع عليه مجاريه بالصوم، واستعد للهزائم المتكررة التي يعقبها النصر والظفر، فلا معركة بدون قتلى، ولا نصر بدون جراحات.

واحذر كل الحذر أن تُسكن العدو أرضك، وتضع له سلاحك، فإنه لن يرضى إلا باستباحة بيضتك، وإهلاك حرثك ونسلك، وإفساد أمرك كله، حتى يكبك في نار جهنم، ويسقيك مرارة الهزيمة في الدنيا قبل الآخرة، ويجعلك عبرة للمعتبرين، ويحقق وعده الأثيم: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 82]
﴿ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 62].

فإياك والاستسلام، فإن عدوك ضعيف، وربك إلى جانبك، ينتظر دمعة صادقة منك، وسجدة خاشعة بين يديه، ليقلب عليه الموازين، ويجعلك من عباده المخلصين، الذين قال عنهم: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
وهذه هي قوة المؤمن، فكم من شيطان رجيم، قضى حياته في الإضلال والإغواء، وأسهر ليله وسوسة، ونهاره تزيينا وتلبيسا، فما إن جاءت جيوش التوبة، حتى صغر كأنه الجعل، وولى وله ضراط، وخاب أيما خيبة، وذهبت جهوده أدراج الرياح.

الحرب سجال، فلا يبطرك النصر، ولا تذلك الهزيمة، واثبت على خيول التوبة عسى أن يأتيك الظفر إن شاء الله.

خامسا: أنظر إلى الجانب الآخر للذنب:
عندما تقع في الذنب، فإن هناك جانبان، جانب أنك عصيت وأخطأت، وجانب أنك استغفرت وأنبت، فعليك أن تنظر بعد الذنب إلى رحمة الله، وتنظر قبل الذنب إلى غضب الله، وتذكر دائما أن رحمته سبقت غضبته، فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لما قضى الله تعالى الخلق كتب بيده في كتاب عنده غلبت أو قال سبقت رحمتي غضبي فهو عنده فوق العرش )).

واعلم أن الله عز وجل كتب عليك الذنب، وأوجب عليك الاستغفار منه، فاعمل ما أوجب الله عليك، عساه أن يغفر لك كما غفر لعبد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن عبدا أصاب ذنبا فقال: رب أذنبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم أصاب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي، قال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء.

سادسا: أتبع الداء الدواء
﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]:
هناك منطق تدافع بين الحسنات والسيئات، وفي النهاية ينجو من غلبت حسناته وإن كانت سيئاته كثيرة، ويهلك من غلبت سيئاته وإن كانت حسناته كثيرة. وقد لا تكون إلا سيئة واحدة تغلب كل تلك الحسنات، كالشرك الذي يحبط العمل، وقد تغلب حسنة واحدة كل تلك السيئات، كبطاقة لا إله إلا الله.

قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 114-115]
وقال سبحانه: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ﴾ [المؤمنون: 96]
أي ادفع السيئة بالتي هي أحسن منها، وهي الحسنة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)).

إن هذا الحل من أنفع الحلول التي تدفع بها السيئات، إن لم يتمكن الإنسان من دفعها بالتقوى التي تقيه من الوقوع فيها، أو التوبة التي تمنعه من الرجوع إليها، فيحتال في دفعها عنه بمقاومتها بالحسنات، وذلك من خلال تقدير حسنة توازي سيئته التي عملها، فينظر في عمل يراه عظيما، ويحس أن أجره كبير، فيجعله جزاء سيئته، ويتبعه إياها كلما عملها.

ولنضرب لذلك مثلا رجلا ابتلاه الله بالكذب، فينظر في حاله ويرى أن تخلصه من هذا الداء قد أرهقه، ويعزم على التصدق بعشر قطع نقدية كلما كذب كذبة، ويأتي في آخر النهار، يعد كذباته، ويعد دراهمه، فيتصدق على قدر تلك الكذبات، بما تحصل في نفسه أنه مواز لها، جزاء مثل ما قتل من النعم.

وهذا الرجل سيفوز في النهاية ولا شك وفى هذا يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(( اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ))
رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وغيرهم عن أبي ذر وغيره وصححه الألباني
هذا الدواء لا يمحو السيئة فحسب، بل الصدقة تطفئ غضب الرب، وتجلب رضاه، ومتى رضي عنك، عصمك من الذنب، ومن عليك بالهداية.

فإن أنت عجزت عن مقاومة الذنب، فلا تعجز عن إتباعه بحسنة ماحية للذنب مرضية للرب، جالبة لحسنة مثلها، فالحسنة تدعو أخواتها، كما أن السيئة تدعو أخواتها، فإن أنت استكثرت من السيئات، فاجعل كفة ميزان حسناتك ملئى، وإياك أن تأتي يوم القيامة وكفة السيئات تغلب كفة الحسنات، مع ما هو معروف من المضاعفة في الحسنات وعدم المضاعفة في السيئات، فتستحق بذلك الخسران المبين، وكيف لا وأنت أتيت بمقابل كل حسنة عشرا من السيئات أو أكثر!

هذه ذنوبك عن يسارك متشبثة بك بخيط رقيق، فاقطعه بالتوبة، وإن لم تفعل فتعايش معها، واصبب عليها ماء الحسنات يذهب أثرها، وينظف مكانها في القلب، ولا تتركها ترعى يمنة ويسرة، فتأكلك أكلا، وتأسرك أسرا، في مقابل لذة عابرة تجني بها سخط الرب، وشقاء المعيشة، وسوء المنقلب، وضيق الحفرة في المقبرة، وعرقا يلجمك في عرصة يوم القيامة، ونارا تشويك في جوار أراذل الناس أحقابا.