المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتمنى ان لا تبكي



محمد صوافطة الطوباسي
24-06-2011, 08:58 PM
قصّة نـُقلت على لسان إحدى الطبيبات تقول
:

دخلت علي في العيادة امرأة في الستينات بصحبة ابنها الثلاثيني ! ..

لاحظت حرصه الزائد عليها ، يمسك يدها ويصلح لها عباءتها ويمد لها الأكل والماء ..

بعد سؤالي عن المشكلة الصحية وطلب الفحوصات سألته عن حالتها العقلية لأنّ تصرفاتها لم تكن موزونة ولا ردودها على اسئلتي فـقال :

إنها متخلفة عقليا منذ الولادة

تملكني الفضول فـسألته: فـمن يرعاها ؟

قال: أنا

قلت: والنعم ! ولكن من يهتم بنظافة ملابسها وبدنها ؟..

قال: أنا أدخلها الحمّام -أكرمكم الله- وأحضر ملابسها

وانتظرها إلى أن تنتهي

وأصفف ملابسها في الدولاب

وأضع المتسخ في الغسيل وأشتري لها الناقص من الملابس !

قلت : ولم لا تحضر لها خادمة ؟!

قال: [لأن أمي مسكينة مثل الطفل لا تشتكي وأخاف أن تؤذيها الشغالة]

اندهشت من كلامه ومقدار برّه وقلت: وهل أنت متزوج ؟

قال: نعم الحمد لله ولدي أطفال

قلت: إذن زوجتك ترعى أمك ؟

قال: هي لا تقصر معها وهي تطهو الطعام وتقدمه لها

وقد أحضرت لزوجتي خادمه حتى تعينها و لكن أنا أحرص أن آكل معها حتى أطمئن عليها من اجل مرض السكري

زاد إعجابي ومسكت دمعتي !

ثم

نظرت الأم لـولدها وقالت: متى تشتري لي بطاطس ؟!

قال: أبشري الان نذهب للبقالة!

طارت الأم من الفرح وقالت : الان .. الان !

نظر الابن وقال :

والله إني أفرح لفرحتها أكثر من فرحة ابنائي الصغار.."

جعلت نفسي أكتب في الملف حتى ما يظهر أنـّني متأثرة " !

وسألت : ما عندها غيرك ؟

قال : أنا وحيدها لأن الوالد طلقها بعد شهر ..

قلت : أجل ربـّاك أبوك ؟ ..

قال : لا جدتي كانت ترعاني وترعاها وتوفت ( الله يرحمها ) وعمري عشر سنوات !

قلت : هل رعتك أمك في مرضك أو تذكر أنها اهتمت فيك ؟

أو فرحت لفرحك أو حزنت لحزنك ؟

قال : يادكتورة..

أمي مسكينة , من عمري عشر سنين وأنا احمل همها وأخاف عليها وأرعاها ..

كتبت الوصفة وشرحت له الدواء ..

مسك يد أمـّه , وقال :

هيا يا والدتي الان الى البقالة

قالت : لا

اريد الذهاب الى مكة

طبعا انا استغربت !

قلت: لها لماذا تريدين الذهاب لمكة؟

قالت: لاركب الطائرة !




قلت له : تاخذها لـمكّة ؟

قال : نعم.

قلت : هي ليس عليها حرج لو لم تعتمر ، لماذا تاخذها وتضيّق على نفسك ؟

قال :

يمكن الفرحة اللي تفرحها لاخذها. أكثر أجر عند رب العالمين من عمرتي بدونها ..



خرجوا من العيادة وأقفلت بابها وقلت للممرضة : أحتاج للرّاحة

بكيت من كل قلبي .. وقلت في نفسي: هذا وهي لم تكن له أماً ..


فقط حملت وولدت

لم تربي ، لم تسهر الليالي ، ولم تُدرسه ، ولم تتألم لألمه ، لم تبكي لبكائه ، لم يجافيها النوم خوفا عليه , لم.. ولم.. !
ومع كل ذلك ..

كل هذا البر...!

فـ"هل سنفعل بأمهاتنا الأصحاء..مثلما فعل بأمه المتخلفة عقليـًّا"؟!