المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصوم طاعة ومراقبة



Raed Saadeh
02-09-2010, 06:40 PM
عندما أنظر إلى هؤلاء المؤمنين على اختلاف أعمارهم بين صغير وكبير، وعقولهم بين مثقف وأمّي، ومنهم الرّجل والمرأة وهم يتواجدون في أماكن ظاهرة لا تكاد تخفى، وأخرى خفية لا تكاد تظهر، والمرأة بالخصوص تقضي كثيرًا من وقتها في المطبخ، ومن الرِّجال مَن يقضي يومه إلى جانب ألوان من الطعام والفاكهة فلا يجرؤ الواحد منهم على تناول شيء من ذلك، وليس هناك مَن يراه أو يهمه أن يراه يأكل أو يشرب، ومع ذلك فلا يأكل الواحد منهم ولا يشرب، وأكثر من ذلك يسارعون إذا أحسّوا أنّهم أفطروا أو حاولوا الإفطار بالغفلة أو الخطأ في السّرِّ الّذي لا يطلع عليه غير العليم الخبير، يسارعون إلى الإمام يطلبون الرشد فيما فعلوا والخلاص ممّا وقعوا فيه، وقد يكون ذلك بلهفة وحسرة لا تخفى، ليس لذلك تفسير غير أنّ جموع المؤمنين من الصّائمين والصّائمات تعبد الله بعنوان المراقبة له، واستشعار حضوره وهو ما عبّر عنه الحديث الشّريف: ''قال: أخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لَم تكُن تراه فإنّه يراك'' متفق عليه.
صحيح أنّ هذه المراقبة لله تعالى تكون من بعض المؤمنين كاملة في جميع شؤون حياتهم لا تكاد تفارقهم إلاّ حيث تنتهي حدود بشريتهم، وهي عند بعضهم تكون في رمضان عن الأكل والشرب دون نظر العين، وعند آخرين على النظر والسمع دون بطش اليد وسعي الرجل، وصحيح أيضًا أنّها عند كثير من المؤمنين في رمضان ولا تكون في غير رمضان بنفس درجته وهو صائم قائم، ولكن ذلك المقدار الراسخ من المراقبة لله والّذي يثبته الصوم في قلب العبد من شأنه إذا تولاه العبد بالرعاية والعناية أن يصبغ حياة المسلم في مختلف شؤونه بالطاعة لله خالقه عن حبّ وخضوع، وقديمًا قيل: إنّ المحب لمَن يُحب مُطيع.
ولا يستطيع كائنًا مَن كان ولو حاول ذلك بكلّ وسيلة أن يحمل النّاس على ترك ما يشتهون في السّرِّ والعلن إلاّ أن يكون ذلك هو ربُّ العباد والمطّلع على ضمائرهم وما تخفي الصدور، ولأجل ذلك جاء في الحديث: ''كلّ عمل ابن آدمَ لهُ إلاّ الصوم فإنّه لي وأنَا أجْزِي به''، وجاء ما يُقابل ذلك على لسان العبد ساعة الإفطار: ''اللّهمّ لك صُمتُ''، فانظر رحمك الله إلى ذلك التّوافق بين كلام الخالق وعبده المؤمن يصدق بعضه بعضًا.
ويقيني أنّ المؤمنين والمؤمنات لو داوموا على مراقبة الله تعالى - كما هُم في رمضان- في شؤون حياتهم على تنوّعها، ومقاصد دنياهم على اختلافها: العالم في محرابه والتاجر في دكانه، والمؤمنة في بيتها والحاكم والمحكوم كلّ في مجال عمله، وحدود مسؤولياته، لَصَلُحَ من حالنا ما نشتكي الخلل فيه، ولاستقام مِن أمرِنا كثيرٌ ممّا نعلنه أو نخفيه على معنى ما قال الحق سبحانه: {وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}...