المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفضائيات بين تجارة الهم العراقي ومناقصات الكرامة الانسانية



marj
19-08-2010, 02:18 PM
الفضائيات بين تجارة الهم العراقي ومناقصات الكرامة الانسانية
تعتبر القناة الفضائية كاي نشاط بشري اخر هو عملية انتاجية تجارية ، لها ناتج مطلوب انجازه مقابل مدخلات يتم استهلاكها. الانجاز الاهم للقناة الفضائية هو الحصول على اكبر عدد من المشاهدين. اذ تزداد قيمة الدقيقة الزمنية لبث الفضائية بمقدار عدد المشاهدين وتاثيرها فيهم ونوع المشاهدين وتاثيره ايضا. تستهلك القناة الفضائية بالمقابل جهد بشري ضخم يعمل بمقابل مادي مع تقنية معقدة ومكلفة خلا التسهيلات الادارية كالمكاتب والستوديوهات. لتوفير التمويل اللازم للمدخلات مع هامش الربح يتم تبني اساليب معينة لتحويل عدد المشاهدين الى مصدر للدخل ويكون ذلك عادة اما ببيع امتياز الاطلاع على البرامج مقابل مبلغ كما في القنوات المشفرة او ببيع وقت البث كمساحة اعلانية. وهناك وسائل اخرى مثل بيع العلامة التجارية للقناة او بعض برامجها لترويج بضائع معينة او الاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة بالشريط الفرعي سبتايتل. طبيعة الاعلان وطريقة بيعه تختلف حسب نوع القناة ونوع الاعلان. في القنوات الترفيهية يتم حجز فترة اعلانية تقدم الاعلانات بشكل فاصل متمايز ومعظمها اعلانات تجارية اما الاعلانات الفكرية فهي مقتضبة وتركز على فكرة معينة مثل الاعلانات المضادة للارهاب او اعلانات الصلاة او الترويج للتعاون السلمي الوطني. بالمقابل قد يقدم الاعلان عبر تبني موقف فكري او سياسي وعرضه بشكل مفصل من قبل مقدمي البرامج وضيوفهم او عبر تقديم اعمال فنية او اخبار معينة تخدم جهة معينة دون اخرى.

منذ ان اتيح للسطح العراقي ان يحتضن الدش واضحى الرسيفر جزءا من الاثاث المنزلي حتى تسارع العديدون من اشخاص وجهات ودول لتاسيس قنوات فضائية عراقية لها النصيب الاكبر من المشاهدين العراقيين. نجح بعضها في الاستمرار وفشل الاخر. بينما تتنافس بعض الفضائيات على المقدمة فان بعضها مستمربالحياة كنتاج على العقلية المتخلفة لجهات سياسية اذ تدعم ماليا ومعنويا قنوات فضائية ترضي توجهاتها بدون ان يلتفت قادة هذه الجهات الى فشل قنواتهم في استقطاب المشاهدين بل انها لا تشاهد في منازلهم من قبل افراد عوائلهم والمكان الوحيد الذي يتشرف مذيعوا قنواتهم بالاطلالة على التلفاز هو في مكاتب احزابهم . القنوات الناجحة المتعاطية بالشان السياسي ايضا لايمكن الجزم باستقلاليتها تماما اذ يحتم الوضع السياسي عليها ان تتخذ جانبا معينا لضمان اكبر عدد من المشاهدين. وايا كان توجه القناة فان من الملاحظ ان توجيه النقد الى الاجهزة الحكومية وتسليط الضوء على تقصيرها هو سلعة رائجة لهذه القنوات. ولا يعرف حتما نجاح هذا التوجة لغياب مؤسسات متخصصة بالتحقق من الانتشار الاعلامي بدقة لكل برنامج كما هو معمول في كثير من دول العالم المتقدم. ان من الواضح ان هذا الانتقاد العلني للحكومة هو جزء من المساحة الاعلانية المباعة لجهات مناوئة لها والا فما معنى قيام قناة معينة بتصوير فيضان الماء في تقاطع الوزيرية لمدة عشرين دقيقة جالت فيها الكاميرا على كل جزيئة اتش تو او في التقاطع. ولان البرنامج مدته ساعة كاملة فان الوقت المتبقي استهلكه المذيع بسؤال المارة من الصباح الباكر وهم يرقصون الباليه على طابوقات مرصوفات لتجنب البلل عن مشاكلهم ومعاناتهم واذكر ان احدهم اجاب بعصبية احد المذيعين بينما كان يلاحقه مرة "يا اخي ماعندي معاناة اني مرتاح بس عوفني اني طالع على باب الله"

تتنوع البرامج العراقية الفضائية لكن نريد هنا تناول مجموعة من البرامج التي يريد منتجوها كسب اكبر عدد من المشاهدين مستغلين الظرف السياسي والاجتماعي الذي يجعل المشاهد العراقي ذا ذائقة تستسيغ السماجة والاهانة واسترخاص النفس الانسانية وكرامتها. الغريب في كثير من هذه البرامج انها متطابقة في المحتوى والشكل في معظم الفضائيات بمختلف توجهاتها وكانها متواطئة على اهانة المواطن والمتاجرة بهمومه ومعاناته. بل ان بعضها يعاد مرارا حتى يضحى المواطن موضوع الاهانة الاكثر ظهورا من اي مطرب فيديو كليب على اي قناة منوعات عربية.

المجموعة الاولى من البرامج هي برامج توزيع الاحسان والصدقات حيث يظهر المذيع او المذيعة وهو يطرق الباب على احد العوائل ليستقبله ساكنيها مرحبين به فيتوسطهم ويبدا بتوجيه الاسئلة ليعرضوا معاناتهم من فقر وسوء وضع معيشي وتنكر الاهل والخلان والجيران مع دموع غزيرة واهات مبكية تتخللها جولة للكاميرا في البيت المتداعي والاثاث الخرب لينتهي البرنامج بدعوة اهل الخير لمساعدتهم مع تقديم مبلغ بسيط مقدم من القناة واحيانا يتم التصريح بالمبلغ وربما استبدل المبلغ بمجموعة اجهزة كهربائية كالثلاجة والمولدة والغسالة التي لا يزيد مجموعها على الف دولار. نعم بهذا المبلغ فقط يصبح المواطن المهان نجما تلفزيونيا يعرض مرتين في اليوم الواحد ولربما اكثر. بعض من هذه البرامج قد تخصص بعرض ذوي العاهات والافات كالمقطوعة اطرافهم او اصحاب الاورام الغريبة او العوق العقلي. بل لايبعد ان يكون المقياس في نجاح البرنامج هو عدد الذباب المتجمع حول الورم حين عرضه قبل العشاء مباشرة وكانه منظر مفرح مشهي ليركز عليه المصور بمعدل واحد الى اثنين من وقت البرنامج. رمضان له خصوصيتة فيزيد فيه المبدعون ابداعا ليجلبوا معهم طباخا يطبخ الكوردن بلو والروبيان وتقديمه افطارا لهذه العائلة التي لم تذق الرز منذ ايام السومريين مع رصد حركات اهل الدار وهم يتابعون الشيف الراقي مرتديا الكفوف المطاطية وهو يقطع السمك المسكوف في مطبخهم غير المسقوف. لاننسى ان نذكر بقيام صاحب القناة احيانا بعرض المساعدة وتبني المواطن وتخصيص راتب شهري له.

الغريب ان هذه البرامج لم تتوقف رغم استهلاك فكرتها وتكرارها. فهي منفرة والتعاطف الانساني لدى المشاهد يتلاشى بحكم التعود والاعتياد بعد متابعة عدة حلقات منها ويتحول الى اشمئزاز وتقزز. يبقى بعض المشاهدين المتابعين وهم بين حاسد للعائلة المزارة وبين حالم بان يكون بابه هو التالي طرقا من قبل المذيع. فهل يستمر عرض البرامج لانها تزيد عدد المشاهدين فعلا. ام انه اعلان ثمنه مدفوع نقدا لارضاء العقد النفسية لبعض الناس ممن يتلذذون بالتفرج على المعاناة الانسانية وهي تنشر كالغسيل الوسخ. ام انه التشهير بالحكومة كونها المسؤولة عن حل مشاكل مثل هؤلاء. ام هي حملة لتشويه صورة الشعب العراقي ونشر فقره وعوزه وتسوله عبر الاثير. ام هي طريقة مبتذلة للتفاخر بالكرم والاحسان وفعل الخير من قبل بعض الجهات وكأن هذا التشهير بالمواطن هو عربون الصداقة وصك تبني همومه ومعاناته. لم اجد من يؤيد مشاهدة هذه البرامج ومعظم من سألتهم قالوا بانهم يغيرون القناة عند عرضها.لكن لئن لم اكن موفقا في اختيار العينة المستبين رأيها فلا خلاف ان وجود متابعين كثر لمثل هذه البرامج لايتناقض مع ان هذه البرامج تؤسس لاخلاقيات منحرفة تتمثل بالتلهي بمصائب الناس وعرض خصوصياتهم كما تطبع الناس على تقبل هتك الكرامة والتذلل العلني مقابل الرخيص من البضاعة.

المجموعة الثانية من البرامج والتي تنشط في رمضان خصوصا هي برامج المسابقات حيث يظهر ممثل كاسد ثقيل الحركة كثير التعرق يتقدمه كرشه وهو يمسك بمكروفونه متنقلا بين المواطنين ليسألهم اسئلة مستله من امهات الكتب ليقدم لهم جائزة تتراوح مابين اوتي وليرة ذهب. يلاحظ على هذه البرامج مع جمال فكرتها هو ثقل المقدم وسوء ادارته وقلة الذوق لدى بعضهم خصوصا عند لقاء كبار السن او البسطاء ممن يطمع بثلاجة او مبردة لايملكها ويصل الامر بهم الى الاستهزاء بجهلهم ومستواهم العلمي او طريقة كلامهم مع الاتيان بحركات هستيرية والصراخ غير المبرر. ولا ادري مامعني ان يسأل المواطنين في سوق خضرة او مسطر عمالة في شارع تملؤه القاذورات عن معلومة ندر معرفتها من قبل الموسوعيين فضلا عن عامة الناس. ولا ادري ما العبرة بتقديم مبردة كبيرة او ثلاجة في منتصف الشارع وهل الفكرة هي ان الحجم يملأ عين المشاهد. لماذا لاتقدم هدايا اخف وزنا واصغر حجما. ام هي تجارة جديدة تهدف الى اظهار البون الشاسع بين المواطن العراقي ونظراءه من العرب عند مقارنة هذا البرنامج مع اشباهه مما ينتج في الامارات او في لبنان حيث يكون المشاهد والمقدم والمكان (مول او كورنيش) والجمهور المتجمع والجوائز( اغلبها عطور) والاسئلة في غاية الاناقة والنظافة.

المجموعة الاخرى وقد ذكرتها في البداية هي تلك المتخصصة في عرض مساؤي الحكومة عبر شكاوي المواطنين. الحقيقة لابأس في مثل هذه البرامج فهي ان كانت خفيفة ومدروسة قد تستاثر باهتمام المتابع لشؤون الحكومة والمواطنين. ما يؤخذ على البرامج الموجودة وهي عادة تعرض اما اثناء ساعة الصباح او بشكل جولة في المدينة هو الاستهلاك والتكرار في عرض المشاكل فما عدا تغير المكان وشخص المواطن فأن اللازمة المتكررة هي الكهرباء والماء والمجاري والبطالة والرشوة والامان ولا ادري اين الترفيه في تذكير المواطن العراقي المشاهد بمعاناة يعيشها كل يوم أم هي موجهه لغير الناطقين بالعراقية. نعم يمكن لهذه البرامج ان تنجح لو كانت تعتمد على رصد حقائق ووقائع بدلا من شهادات اشخاص مارين لايعرف مصداقيتهم. لا ادري لماذا يظهر الشخص ويقول انه لم يتعين لانهم طلبوا منه رشوة. الا يمكن لهذ المواطن بالتعاون مع القناة ان يقوموا برصد وقائع الرشوة او جلب عدد اكبر من الشهود عن نفس الواقعة لينتجوا تحقيقا ذا مصداقية يجذب مشاهدين اكثر لاثارته لقضية ساخنة وذات متعلقات. كذلك في حالة الماء الطافح الم يكن الاجدى بدلا من تصوير جزيئات الماء واحدة واحدة ان تقوم الكاميرات بمتابعة عملية ابلاغ المواطنين للدوائر البلدية ورصد ردة فعل الدوائر البلدية حول التبليغ ليكون موضوعا شيقا يسمر المشاهد امام الشاشة لحين مجئ صهريج الماء الى المكان او تداعيات الشكوى. القصد ان المشاهد قد مل سماع شكواه. عرض الشكوى بطريقة ابداعية افضل مما يحدث الان فية فائدتين للمشاهد وللقناة وللحكومة ايضا حيث يصبح الموظف الحكومي اكثر حرصا من ان يقع ضحية لكاميرا تلفزيونية وهو يقصر بواجبه.

واخيرا لابد من ان نعرج على موضوع الكامرا الخفية موضوع الساعة بفضل برنامج البغدادية خل ن بوكا المثير للجدل. تعود بدايات الكامرا الخفية في العراق عندما قام تلفزيون الشباب بتقديم حلقة او حلقتين منه انتهت كل المقالب فيها بالضرب والمشاجرة وسحب المسدسات. برامج ومقالب الكامرا الخفية المذاعة في معظم دول العالم تتراوح بين المقلب الخفيف في الشارع الذي لايتجاوز وقته عدة ثواني كرمي رذاذ الماء من السقف الى المقلب الفخم الذي يستغرق حلقة بكاملها كتمثيل سقوط مركبة فضائية. نوع المقالب يختلف فمنها مايعتمد على مفاجأة الشخص ومنها مايظهر بعض التناقضات او المواقف الطريفة امام الشخص ورصد ردود فعله فيما تقوم اخرى باخافة الشخص وارعابه. تجارب الكاميرا الخفية في الشارع العراقي اظهرت عدم تقبل المواطن للمزاح وعنف رد فعله وفوران دمه الذي لاتبرده جملة معاك الكامرة الخفية والعناق التمثيلي وخصوصا ان المواقف المفتعلة كلها غليظة ثقيلة الدم. لجأ البعض الى اصدقاء الكامرا ذوو ردود الفعل اللطيفة وهم الفنانين وذلك بافتعال لقاء تلفزيوني واسماعه عبارات استفزازية لينتهي البرنامج بخروج متكرر للفنان من موقع التصوير واعادته. يؤخذ على هذا البرنامج هو استهلاك فكرته وعدم وجود جديد فيها كما انها عكس البرامج الاجنبية تركز على المضيفين وتصرفاتهم البهلوانية اكثر من تركيزها على الضيف موضوع المقلب. مما يعني التكرار بعد ثلاث حلقات فقط اذا ما استثنينا الضيف الذي يغيب عن الشاشة معظم البرنامج.لم يقف المنتجون عند هذا الحد بل تجاوزوا باختلاق مواقف صعبة جدا لا محل للمزاح معها كالاتهام بحيازة عبوات ناسفة من قبل قوات امنية في وقت تتقطع اجساد العراقيين الشرفاء بهذه العبوات. هل هو تسفيه للموضوع ام استرخاص للدم العراقي الغالي. لا ادري بالضبط فاذا كان الشرطة نجوما جدد سيعتاد عليهم المشاهد بعد عدة حلقات فان جميع ضيوف البرنامج ومقدمه ممن مل المشاهد من مشاهدتهم وهم بكامل قواهم العقلية فكيف بهم وهم خارج طور الاتزان. اعملوا كامرا خفية لكن خفيفة على المشاهد تعتمد التناقض والطرافة ورصد ردود فعل الضيف وليست سيركا بهلوانيا للمقدمين يعرضون فيه مواهبهم في السماجة والميوعة وقلة الادب يعلوه الصراخ والحركات المسرحية الزائفة
--------------------------------------------------------------------------------