المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ



المرحوم رعد الزغير
19-08-2010, 04:43 AM
بين

الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ






أيُّ شهرٍ ذاك الذى حباه الله من الخصائصِ والمزايا ما لو
حبا معشارَ فضلِه لأيِّ شهرٍ لكانَ خليقاً أن يكونَ غُرَّةً بينَ
الشهورِ ..؟!!


أيُّ سؤدَدٍ حواه شهرُ رمضانَ وأيُّ فخارٍ حازَهُ حتى يُذكرَ
وحدَهُ دونَ ســـــــــــائرِالشهورِ في الكتابِ العزيزِ ؟!!


نعم لقد ذُكر فيهِ باسمِهِ ، وأشادَ بأيامِهِ ولياليهِ ،
بل وذُكِرَتْ ليلةٌ منهُ ثلاثَ مراتٍ
بأنها خيرٌ من ألفِ شهرٍ تلك ليلةُ القدرِ؛
كيف لا ؟وهوالشهرُ الذي أُنزلَ فيه القرآنُ
وهــــــــــــــــــــــــــــ ــو أعظمُ الكتبِ
علــــــــــــــــى قلبِ سيدنا محمدٍ
صلــــــــــى الله عليه وسلم
وهــــــو أشـــرفُ الرسلِ
لينذرَ أمــــــــــــــــــــةً
هي خيرُ أمةٍ أخرجَتْ للناس .
إن الكريمَ ليُرجى نوالُه على الدوامِ
فــــــإذا خصَّ يـــــــــوماً أو زمَناً لسائليه
ألا يـــــــــــــــــرد فيه طالباً فجُد وأنعم به يوماً ،
فكيف إذا كـــــان الباذلُ مَنْ يداه مبسوطتان
ينفقُ كيف يشاءُ وهو أكرمُ الأكرمينَ ،
وقد خصَّصَ بدلَ اليومِ شهراً
لفيضِ كرمِهِ وعظيمِ جودِهِ ،
حتى انسحبَ هذا الكرمُ الفيَّاضُ
علــــــــى على نبيِّه ومصطفاهُ محمد
صلى الله عليه وسلم فلهو عليه الصلاة والسلام
أجودُ بالخيرِ في رمضانَ من الريحِ المــــــــــــــرسلةِ .


ولذلك يعجبُ صلى الله عليه وسلم أشدَّ العجبِ ممن أدركه
شهرُ الكرمِ ، ومرَّت عليه ليالي الفضلِ ،
وأقبلتْ عليه أيـــــــــــــــامُ السعدِ
فلم يغتنمها ولم يغفرْ له ،
فمتىبربِّكم يُغفَرُ لَهُ .


إذا لم تطبْ في طيبةٍ عند طيب***به طابتِ الدُنيا فأينَ
تطيبُ


إن الله عزَّ وجلَّ ليستنفرُ في هذا الشهرِ جميعَ كوامنِ الخيرِ
، ويستثير طِيبَ القلوبِ لينهضَ بالأخلاقِ الإنسانيةِ إلى
مستوىً تتذوقُ فيه لذَّةَ الأمنِ والطمأنينةِ من خلالِ
التكافلِ والتراحمِ ، وترفُلَ البشريةُ فيهِ بثوب
الافتقارِإليهِ من خــــــــــــــــــلالِ الصيامِ ،
والعــــــــــــــزِّ به من خلال الطاعاتِ .


إن آخرَ ما توصلَ إليهِ العلمُ الحديثُ
اليومَ في منهجيةِ التعليمِ أنَّه :
لاتقدُّمَ بلا إبداعٍ ولا إبداعَ بلا تخصُّصٍ ،
وما دام التخصُّص شرطٌ ضروريٌ للإبداع
فتخصيصُ شهرٍ واحدٍ في السَّنة ليكونَ دورةً تأهيليةً للقيمِ
والأخلاقِ الإنسانيةِ بين أفرادِ المجتمعِ مـــــن ناحيةٍ ،
وخطوةً هامةً لإصلاحِ ما انهدمَ ورتقِ ما انفتقَ
وترميمِ ما تداعى من العلاقةِ بين العبدِ وربِّهِ من ناحيةٍ
أخرى،هذا التخصيصُ المباركُ يأتي نَقلةً بل وقفزةً نوعيةً
في حياةِ الفردِ والأمَّةِ على السواءِ .


ولا يكتفي الشارعُ الحكيمُ سبحانه بتخصيصِ شهر على
العموم فحسب،بل ويقسم هذاالشهر ثلاثة أقسام زيادةً
في أهمية التخصص ، لينعُم العبد لحظة بلحظةٍ
مستشعراً كلَّ يوم بالجزء الرمضاني الذي يحياه ويعيشه،
وكثيراً ما تبادر في ذهنــــــــــــــــــــي
تُــــرى لمكانة الرحمة في العشر الأوائل
والمغفـــرة فـــــــــــــــــــــــــــــ ــــــي الأواسط
والعتق في الأواخر على هذاالترتيب دون غيره .


ثم رأيت الحكمة والمنطقية مصاحبة
ملازمة لهذا الترتيب لأسرار يعلمها الله ،
ذلك أن شهر رمضان شهر التوبة والإنابة ،
وقد اشترط العلماء لقبول التوبة ثلاثة شروط :
الإقلاع عــــــــن المعصية
والندم على ما تقدم من اقترافها
والعزم علــــــــــــــــــــى عدم العود إليها .


ولنتصوَّرمعاً علاقةً بين ابن وأبيه امتلأت بالجفاء والعقوق
وتقطَّعت بالمخـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــال فة والعصيان ،
كما هــــــــو حال العباد مع ربــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــهم ،
وفي لحظة إيمانية مفعمة بالمسؤولية والنـــــــــــدم
جـــــاء الابن إلى أبيه مقرّاً بذنبه معترفاً بجريرته
قــــــــــــــــــــــد ظهرت عليه علامات الانكسار
وأمارات الخجل والحياء مما بــــــــدر منه ،
ثم استجمع كل ما أوتيه مـــــــــــــــن قوة
وعزم فرفع طرفه لينظر في عيني أبيه
ليراهما مغرورقتان بدموع الفرح
يشرق فيهما شعاع من الرحمة والشفقة التي ملأت
فؤاده فانعكست على قلب ولده حتى أحيت فيه بوادر الأمل،
فما كانمن الولد إلا أن طمع في رحمة أبيه ،
وفي الحال أعلن ندمه وتوبته وتوالت عبارات الاعتذار
وألفاظ الندم على لسانه وجوارحه حتى أثَّر ذلك فـــي قلب
أبيه فتاب عليه وغفرله وصفح عنه
وتعانقا فتصافحت القلوب وزالت كل النوازغ .


فلما كان الغد جاء الولد بزوجه وأولاده وأمواله
ووقف بين يدي أبيه موقف المتفاني فــــي خدمته ،
فتقاطر الأطفال علــــــــــــــــى يدي جدهم وأقدامه
يقبلونه بحُب ووجد ، ووصل إلى سمع الجد
صوت ابنه العائد من شروده قائلاً :
يا أبت أنا طوعُ أمرِكَ ، ورهن إشارتك ،
وأطوع لك من بنانك ، هذا مالي فخذ منه ما تشاء ،
وهذه عائلتي التي هي بضعة منك أضعها تحت أقدامك ،
وهذه رقبتـــــــي ملك يمينك ، فهل عساك رضيتَ عني ،
وهــــل عساي أنال دعواتك وبركاتك فلو أفنيت عمري في
برِّك ما وفيتكَ معشار حقك ، فقال الأب : اِذهب يا ولدي
فاعمل ما تشاء فقد رضيت عنك .


هذه القصة الرمزيةُ هي محاكاة للعلاقة بين المسلم العاصي
وربه الكريم الكافي ونَخلُصُ منها إلى أن :



الاعتراف بالذنب والإقلاع عن المعصية
تقابله عشرالرحمة
والندم على ما مضى وإعلان التوبة النصوح
يقابله عشرالمغفرة
والعزم على عدم العود وابتدار الطاعات على الدوام
يقابله عشرالعتق من النار .


اللهم يا سامع الصوت ويا سابق الفوت
ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت
نسألك بحرمة هذا الشهر العظيم
وما نزل فيه من القــــــــــــــرآن العظيم
أن تخرجنا من ذل معصيتك إلى عز طاعتك ،
ومن ظلمات الجهل بك إلى نــــــــــــور معرفتك ،
تقبل منا الصلاة والصيام واجعلنا من عتقاء رمضان
يا قـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــديم الإحسان .

رعد الزغير