بدأ التلفاز التقليدي الذي يعرفه الجميع بالاضمحلال هذه الأيام، فأجيال الثمانينيات وحتى الألفية وما تلاها لا يبدون اهتماماً كبيراً بالتلفاز، خاصة حين يصلون لسنوات المراهقة. فالأعمار الشابة بكل بساطة لا تشاهد التلفاز.
وعوضاّ عن أجهزة التلفاز، تلجأ هذه الفئات العمرية إلى الإنترنت، وتستخدم الشبكة لتلبية مختلف احتياجاتها المرئية الترفيهيةعبر هواتفهم الذكية أو عبر نقل محتوى هواتفهم إلى شاشة التلفاز. ومن سوف يأبه إذا ما أصبحت تجربة مشاهدة التلفاز التقليدي مثل الراديو واقتصرت على متابعة عدد قليل من البرامج خلال بضع أيام من الأسبوع؟
ولا تزال معدلات متابعة التلفاز تشهد تدنّياً عاماً تلو عام. مثلاً، بلغت نسبة مشاهدة بطولات البيسبول العالمية في نهاية السبعينيات حوالي 50% من المتابعة المنزلية، أما في 2008، فقد انخفضت إلى نسبة ضئيلة بلغت 14%.
ومن المرجّح ألا تتوقف هذه التقلبات لأن الأسباب المؤدية لها عديدة، لكننا نوجزها كما يلي:
· أن المشاهدين في الغالب لا يحبّون الفواصل الإعلانية

مع الإقبال الكبير على أجهزة التلفاز الذكية وبرامج iTunes، Amazon Unbox، Netflix وتطبيق "شاهد"، إلى جانب عدد من خدمات الإنترنت الأخرى، لم يعد هناك سبب لمشاهدة برنامج تلفزيوني مع العديد من الفواصل الإعلانية. هذا الأمر يلقى إعجاب الكثيرين لأن الإعلانات تؤدي إلى انقطاع التدفق في القصة والدراما والتشويق للبرنامج.
وقد كان يعتقد المشاهدون سابقاً أن الإعلانات التلفزيونية شرٌ لا بدّ منه، لكنهم اكتشفوا أنه يمكن المشاهدة بدونها. فيمكن للمستخدم متابعة البرنامج على التلفاز الذكي بدون إعلانات، كما يمكنه الاستمتاع بعدد من برامج التلفاز بشرائها أو مجاناً على برامج مثل "شاهد" وNetflix بدون فواصل إعلانية.

· يتمتع المشاهد اليوم بخيارات أكبر لمتابعة البرامج

إلى جانب انزعاج المشاهد من الإعلانات، فإنه لا يوجد سبب يجبر المشاهد على متابعة برنامج مع الإعلانات حين توجد أمامه العديد من الخيارات. فقد وفّر الإنترنت عدداً من البرامج والتقنيات التي لم تكن متاحة أو سهلة المنال للأجيال السابقة.
إن المرونة في إمكانية مشاهدة ما تريد في الوقت الذي تختاره والمكان الذي تفضّله هي من أهم العوامل التي تجعل الناس تبتعد عن التجربة التقليدية في مشاهدة التلفاز. لقد تمكّنت التكنولوجيا من إجراء ذلك التغيير، لذا فإنه من غير المحتمل أن تعود تلك التجربة التقليدية في أي وقت قريب.
هل تذكر كيف كان يجتمع الجميع حول جهاز الراديو وقت الذروة في الثلاثينيات والأربعينيات من أجل متابعة برامجهم الأسبوعبة المفضلة؟ وهكذا كان الناس يشاهدون التلفاز في وقت الذروة لمتابعة البرامج التلفازية المفضلة لديهم. هناك قلّة (البقية) من الناس ممن يتابعون بعض البرامج الإذاعية على الراديو في الوقت والمكان الذي يختارونه، فالناس اليوم يتابعون برامجهم التلفزيونية أيضاً في الوقت والمكان الذي يفضلونه.

· تزايد البرامج وتشعبها لأكثر من 500 قناة تلفزيونية

يمكن إيجاد جميع برامجك المفضلة في مكان واحد، برنامج تلو الآخر. لكنها تتوزع في التلفاز على عدد من أيام الأسبوع ويتخللها الكثير من الإعادات والأسوأ من ذلك هو البرامج غير المرغوب بمشاهدتها.

· الإنترنت هو بحد ذاته مصدراً للترفيه

لم يعد المشاهد مهتماً بالبرامج التلفزيونية التي توجد على التلفاز التقليدي، بل أصبح يتوجّه إلى الملايين من البرامج التي تم إنتاجها وعرضها حصرياً على شبكة الإنترنت.
لا تتمتع برامج الإنترنت بالمزايا الإنتاجية المتقدمة للتلفاز العادي، إلا أن المتابعين لها وللمفاجأة لا يهتمون بذلك. فالقصص والشخصيات في برامج الإنترنت تحظى بإعجاب الكثيرين، كما أن مدة المتابعة للبرنامج أقصر بكثير (لا تتعدى 10-20 دقيقة مقارنة بنصف ساعة أو ساعة على التلفاز).
وقد قدّم موقع اليوتيوب آلافالنجوم في مساحة خاصة بهم. والعديد من هؤلاء النجوم يتمتع بقدرة على الإمتاع والترفيه أكثر من أي برنامج يمكن إيجاده على إذاعة أو قناة تلفزيونية.

· إن استخدام جيل الألفية للقنوات الإعلامية عبر الهواتف الذكية في زيادة مطّردة، كما زاد اهتمامهم أيضاً بنقل محتوى الهواتف إلى شاشات التلفاز.


ويساهم جيل الألفية في تشجيع فئات عمرية أخرى على الاستهلاك الإعلامي عبر الهاتف مما يقلل نسبة مشاهدة التلفاز الحقيقي، وفقاً لبيانات جديدة صادرة عن "نيلسن".
فقد انخفض استهلاك التلفاز لتلك الفئات نسبياً إلى ست وثلاثين ساعة أسبوعياً يقضيها الكبار أمام شاشة التلفاز. وتقول الدراسة أن جيل الألفية يستغرق الوقت ذاته تقريباً في استخدام الأجهزة الرقمية كبديل للتلفاز.
لكن يبقى التلفاز هو الأكثر شعبية بين الأجهزة الأخرى من حيث عدد الساعات التي تستغرقها تجربة المشاهدة في المنزل. وبإلقاء الضوء على الصورة النمطية لفئة العشرينات التي تقضي معظم الأوقات منحنية الرأس للأمام مستغرقين في أجهزتهم الخلوية، فهم يقضون حوالي 9 ساعات ونصف أسبوعياً في استخدام الهواتف الذكية، ولمعظم البالغين فمتوسط استخدام الهاتف يبلغ 5 ساعات ونصف أسبوعياً.

ولذلك فإن خاصية بث المحتوى على الشاشة الكبيرة للتلفاز تعتبر مهمة جداً من أجل الانسجام مع الثقافة الجديدة في المشاهدة والمتابعة.



لن تختفي بالطبع جميع أجهزة التلفاز. أولاً هناك مجموعة من المحتوى التي سوف تستمر لأن المشاهد يحب القصص ذات الجرعة الدرامية والتحوّلات الذكية. لذلك، يعتبر تطبيق "شاهد" الخطوة الأولى إلى العالم المتجدد في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تقوم شبكات أخرى بابتكار ما يجعل المشاهد يتحكم بتجربة المشاهدة. ومع استمرار المحتوى الشيّق، سوف يقوم المشاهد بالدفع مقابل هذه الخدمة وسوف تعمل بنجاح.
لا يمتلك العديد من الشباب أجهزة تلفاز خاصة بهم، وهذا تحوّل غريب عن فترة ماضية كانت تملك فيها كل أسرة في الولايات المتحدة على الأقل تلفازاً واحداً، وكانت الأسر تشتري أجهزة التلفاز لأسباب أخرى مثل تشغيل أقراص الـ DVD لمشاهدة الأفلام أو لأطفالهم عندما يبدأون بزيادة أفراد الأسرة.
نحن نحب التلفاز، ونشاهده يومياً، لكننا نبدو وكأننا في مرحلة سيتم استبدالها قريباً بجيل جديد يعتبر التلفاز ظاهرة قديمة الطراز مثلها مثل جهاز الراديو، إلا إذا قمنا باستخدام التلفاز الذكي واستخدمناه بذكاء.