الوقفة الأولى : حقيقة الصوم

الصيام هو حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية

لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية،

ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وثورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين،

وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وحبس قوى

الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن

كل عضو منها وكل قوي عن جماحه وتلجم بلجام المتقين ورياضة الصالحين المقربين،

فهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم يترك شهوته وطعامه وشرابه

من أجل معبوده وإلهه، فهو يترك محبوبات النفس ولذائذها إيثارا لمحبه الله ومرضاته..

لذلك فهو سرّ بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، فالعباد قد يطلعون على ترك

المفطرات الظاهرة، أما كونه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل إلهه ومعبوده

فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم[5].. والصوم يحفظ على القلب

والجوارح عافيتها ويعيد إليها ما استلبته منها مخالبُ الشهوات، فهو من أكبر العون

على التقوى كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا

كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].



المصدر: موقع الألوكـة