المختصر / تقدم جامعات ومعاهد بحثية دولية عدة كل عام منحاً مختلفة للعلماء الشباب لتطوير أبحاثهم، وترجمة أفكارهم عملياً، ومن بين آلاف المشروعات الواعدة، والأفكار الجديدة، والأوراق البحثية الجادة، تجد المئات فقط فرصتها العملية، ويصادفها الحظ بالعثور على التمويل المناسب، وتبقى النسبة الأكبر حبيسة عقول أصحابها بانتظار “المنحة”، أو العثور على الجهة المناسبة التي تقتنع بالفكرة وتتبنى تنفيذها، خاصة إذا كانت باهظة التكاليف تحتاج إلى أعوام طويلة حتى تتحقق نتائجها، ومن أمثلتها المشروعات المتعلقة بمجالي الطب والفضاء.
قدمت مجلة “ساينس ريفيو” العلمية عدداً من المشروعات المختلفة حول العالم التي حالفها الحظ وبدأت في التنفيذ قبل أشهر قليلة، في عدة مجالات طبية، وزراعية، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة، ووصولاً بالفضاء الخارجي،وينتظر أن تساهم في تغيير شكل العالم حال نجاحها، ومن بين أهم هذه المشروعات:

أولاً: مشروعات الأبحاث الطبية
* تجديد أنسجة المخ بعد التعرض للسكتة الدماغية: وهو مشروع واعد للباحثة نينج زهانج من جامعة كليمسون، بولاية ساوث كارولينا، وتموله مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية بمنحه قدرها 450 ألف دولار، ويبحث في إمكانية استخدام تقنية هندسة الخلايا الجذعية في إعادة بناء خلايا المخ بعد التعرض للسكتة، خاصة انه حتى الآن ما زال المرضى الذين يعانون من أمراض الدماغ يعالجون سريرياً، عن طريق أدوية تتعامل مع الإصابة، أو تهدف إلى تخفيف تأثيرها على باقي أجهزة الجسم، ويعتبر المشروع حال نجاحه ثوةه علمية كبيرة، ستتمكن من التوصل إلى حلول وعلاجات أفضل لكافة أمراض الدماغ مثل الزهايمر والباركنسون وغيرها .
وحصلت الباحثة على المنحة بعد تقديمها دراسة متكاملة عن تجارب سابقة أجرتها على فئران ،2009 وكانت النتائج مذهلة، عندما تمكنت “التركيبة الخاصة” التي حقنتها بها، وتعرف ب “هيدروجيلHydrogel “ من حفز تعافى ونمو الخلايا الجذعية بالدماغ .
* تطوير لقاح ضد دودة الأنسيلوستوما Hookworm وهى دودة صغيرة من طائفة الخطيات، موطنها المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، تعيش في الجزء الأعلى من الأمعاء وتدخل جسم الإنسان عن طريق الماء الملوث، أو من خلال القدمين واليدين عبر الأوردة والأوعية الليمفاوية، لتتخذ سبيلها بعد ذلك مباشرة إلى الأمعاء، التي تمتص منها الدماء مسببة مرض فقر الدم الحاد . وحصل على المنحة المقدمة من مؤسسة بيل وميلندا جيتس وقدرها 12 مليون دولار، معهد سابين للقاحات الذي يعمل منذ فترة على تطوير لقاح من الديدان نفسها يوفر مناعة ضد الإصابة بها مرتين، وتكمن أهمية هذا المشروع في انه سيساهم في تحسين الحالة الصحية لملايين من البشر بالمناطق الفقيرة حول العالم، خاصة وأن المرض على خطورته يصنف “بالمرض المهمل”، وكان من الصعب لعقود طويلة العثور على جهة مانحة تتحمس لتمويل مشروع جاد لمكافحته .
* مشروع لتحديد المؤشرات الحيوية لعدوى الملاريا: وتموله منظمة بيل وميلندا جيتس ب 9 ملايين دولار، وينجزه معهد أبحاث نيوساتيل، وهو منظمة غير ربحية، تهدف إلى إجراء أبحاث للقضاء على الأمراض المعدية التي تودي بحياة الملايين كل عام، وستخصص هذه المنحة للبحث في جزئيات الحمض النووي الصغيرة والبروتينات للكريات الحمراء المنجلية المسببة للإصابة بالملاريا، والمتصورة المنجلية للطفيلي الخاص المستهدفة من هذه الدراسة هو المسؤول عن أكثر من 90% من الإصابات بمرض الملاريا حول العالم، و98% من أسباب العدوى في أفريقيا، و90% من الوفيات الناجمة عن الإصابة بالملاريا .
وحتى الآن لا يوجد لقاح سريري للملاريا، والنجاح في التوصل إليه سينقذ حياه الملايين من البشر التي تقضى بسببه كل عام .
ثانياً: مشروعات الفضاء

* مشروع الصين ببناء المركبة الفضائية الأولى تيانجونغ،1 وتموله وكالة الفضاء الصينية الوطنية، ورصد له مليارات الدولارات، وهى خطوة أولى نحو استكمال بناء معمل فضائي مأهول كبير نسبياً بحلول 2020 .
وتهدف الصين إلى تطوير الجزء الأول من المركبة غير المأهولة نهاية العام، وستركز على دراسة الاختلافات التي تحدث في الظروف المعيشية لرواد الفضاء وتطبيقات الأبحاث،ثم تطلق مقصورة رئيسية ومركبة معمل ثانية 2020 وسيتم تجميعها في مدار حول الأرض لتصبحا محطة فضاء مأهولة .
كما يتوقع إطلاق مركبة “شنتشو 8” نهاية العام الجاري أيضاً، ووفق خطة العمل يتوقع أن تحقق المركبتان أول التحام فضائي وينظر لهما على أنهما خطوة جوهرية نحو بناء محطة فضاء، حيث سيتم في النهاية تحويل “تيانجونغ “1 أو “القصر السماوي” إلى معمل فضائي مأهول بعد عمليات التحام تجريبية مع مركبات الفضاء “شنتشو 8” و”شنتشو 9” و”شنتشو 10” بحيث تقل المركبتان الأخيرتان رائدين أو ثلاثة من رواد الفضاء على متن كل منهما .
والمشروع ثورة علمية كبرى، فعلى حين أنهت الولايات المتحدة هذا العام عصر المركبات المأهولة، بعد تقاعد مكوكاتها الفضائية الرئيسية، يبدأ في مكان جديد بالعالم “ثورة فضائية”، ومن المتوقع أن تحل المحطة الفضائية الصينية كبديل محتمل للمحطة الفضائية الدولية حال إصابتها بأي عطل يمنع استمرار عملها .
* معايشة تجربة التحليق بين الكواكب، ويموله معهد أبحاث الفضاء الروسي، والهدف منه البحث في إمكانية تكيف الكائنات الحية مع الظروف المناخية القاسية على الكواكب الأخرى، والمشروع مغامرة علمية تبدأ نهاية العام مع إرسال 10 أنواع من الكائنات الحية المختلفة بما في ذلك بكتيريا حقيقة النواة، وأخرى بدائية النواة، عبر ثلاث رحلات في اسطوانة يحملها صاروخ فضائي ويسقطها على سطح القمر فوبوس التابع للمريخ، وستستغرق الرحلة 3 سنوات، وستعتبر ثورة علمية هائلة إذا نجحت في إثبات تحمل هذه الكائنات وتقبلها لدرجات الحرارة القاسية (ارتفاعاً، وانخفاضاً) ودرجة الملوحة العالية في التربة . وتنطلق روسيا في برنامجها لاقتحام المريخ من المدار الأرضي، وذلك على عكس الفكر الأمريكي الذي يرى في الانطلاق إلى المريخ من سطح القمر، والذي يعتبره الخبراء الروس مكلفاً جداً من حيث الطاقة لأنه يتطلب إيصال أجزاء المركبة التي ستقتحم كوكب المريخ إلى القمر أولاً ثم الانطلاق إلى المريخ والتخلص من جاذبية القمر .
* المكسيك تبدأ برنامجها الفضائي الخاص، وتموله AGENCIA ESPACIAL MEXICANA، وسيتم هذا الخريف تعيين مدير لوكالة الفضاء الجديدة، التي ستعتبر مهمتها الأولى العمل على بناء قاعدة علمية مؤهلة لتصنيع سفن فضائية، تقل رواد فضاء مكسيك إلى المحطة الدولية، بعد عقود طويلة من الانتظار على قوائم وكالتي الفضاء الأمريكية والروسية، والمثير أن المشروع سيتكلف مليارات الدولارات، وتقدم عليه المكسيك بالرغم من تواضع إمكاناتها المادية، إضافة إلى الظروف الاقتصادية العالمية، التي كانت سبباً في استقطاع الملايين من ميزانية ناسا السنوية، وإلغاء عدد من رحلاتها المقررة، وتأجيل مشروعها بالعودة إلى القمر .

ثالثاً: مجال الطاقة الخضراء
والبحث عن مصادر متجددة
* خلايا الوقود البكتيري، وتموله الجمعية الملكية البريطانية ب 560 ألف جنيه استرلينى، ويهدف المشروع إلى إنتاج مصدر جديد للطاقة معروف بخلايا الوقود الميكروبي، ويستعمل كمولدات للطاقة المنزلية في المناطق النائية، وتبدو هذه المولدات وكأنها أحواض أسماك تملأ بالمياه والبكتيريا المجهرية عوضاً عن الأسماك . وحينما تهضم البكتيريا المغذيات تشرذم جزيئات الغذاء إلى قطع تنبعث منها بروتونات والكترونات تولد طاقة كيميائية، ثم تتحول إلى طاقة كهربية بعد إعادة مزج هذه الجزيئات بالأكسجين .
وتجرى الأبحاث العلمية اختبارات حول إمكانية إنتاج خلايا وقود بكتيريا يبلغ عرضها 1/100 من شعر الإنسان عن طريق استخدام أساليب تصنيع شبه الموصلات المستخدمة في صنع الرقائق الالكترونية المستخدمة في الحواسيب .
* إعداد منتجات ذات أهمية اقتصادية ( الكيتين والشيتوزان ) من نفايات المحار، وتموله مؤسسة العلوم الباكستانية، ولهذين النوعين من السكريات استخدامات غذائية وطبية متعددة، كما تستخدم في ترشيح المياه، كما أثبتت فعالية في تضميد الجروح التي تتعرض للأشعة فوق البنفسجية، وأهمية المشروع أنه أفضل مثال للحفاظ على الموارد الطبيعية للأرض، بإعادة استخدام النفايات البيولوجية التي كانت مهدرة لعقود طويلة .
رابعاً: العلوم الزراعية
* مشروع تنويع الحيازات الصغيرة لتربية الأحياء المائية الساحلية في اندونيسيا، ويموله المركز الأسترالي للأبحاث الزراعية الدولية بمنحة قدرها مليونا دولار، وسيعمل المشروع على تشجيع مبادرات فردية تختبر إمكانية زراعة سلالات من الأسماك في مياه قليلة الملوحة مثل “البلطي والهامور والجمبري وسرطانات البحر، وتكمن أهمية المشروع في خدمته المباشرة لملايين من السكان المحليين الذين تضررت أوضاعهم الاقتصادية بسبب تقلب ظروف الأسواق العالمية بالسنوات الأخيرة، وهو نوع من العلم الذي يستجيب لظروف البيئة المحلية، ويساعد العائلات والأفراد مباشرة، وفقاً للحكمة الشهيرة إن خطوات صغيره تؤدي إلى قفزات كبيرة .
* تطوير جينات لإنتاج محاصيل زراعية تتكاثر دون تلقيح، ويموله معهد هيوارد هيوز الطبي، وغوردون وبيتي مور ومؤسستا GBMF، و HHMI في الولايات المتحدة، بمنحة قدرها 5 ملايين دولار سيستخدمها البروفيسور روب مارتينسن، أستاذ علم الوراثة النباتية، في استكمال أبحاثه الرائدة عن التسلسل الجيني للنباتات،وإمكانية تطوير جينات جديدة لإنتاج محاصيل غذائية ووقود حيوي، يسهم في حل مشكلة الأمن الغذائي، وتحسين طرق الزراعة .
خامساً: الأرض وعلوم البيئة
* تطوير مركبة تعمل عن بعد بواسطة روبوت لاستكشاف البيئات المغطاة بالجليد، وتموله مؤسسةNSF الأمريكية ب مليوني دولار، ويبدأه فريق من العلماء والمهندسين في مؤسسة وودز هول Oceonagraphic بقيادة المهندس آندي بوين، وستعمل على تطوير مركبات تعمل عن بعد، من شأنها السماح باستكشاف البحار القطبية وبيئات المحيطات المغطاة بالجليد . ويكتسب المشروع أهمية كبرى في الوقت الحاضر، وخاصة لأنه يعطى فرصة بناء أنظمة قادرة على القيام بأنواع جديدة من العمل في القمم الجليدية القطبية، تحت الأنهار الجليدية في المناطق الثابتة مثل القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، والتي هي موضع اهتمام علمي كبير نظرا للتغيرات في المناخ ومستوى سطح البحر .
* مشروعات أبحاث البيوجيوكيميائية جديدة بتمويل من: غوردون وبيتي مور في الولايات المتحدة، وتبلغ قيمة المنحة 867 ألف دولار .
وستخصص لصالح معهد سكريبس Oceonagraphy، بجامعة كاليفورنيا سان دييغو ويهدف إلى استكشاف كيفية تفاعل الكائنات المجهرية البحرية جسديا وتبادل جزيئات المواد الغذائية .
وتعد البحوث البيوجيوكيميائية حديثة العهد، تجمع بين التفاعل في الكيمياء، والفيزياء، والجيولوجيا، وعلم الأحياء بطرق مثيرة للاهتمام، وفي دراسة آثار الكائنات الدقيقة على محيطنا بالدورات البيولوجية الكيميائية على سطح البحر، سنتمكن من فهم أفضل لتطور الحياة على الأرض نفسها .
* مشروع رصد التغيرات الحادثة على كوكب الأرض من الفضاء الخارجي، وتموله GBMFالأمريكية بمنحة 725 ألف دولار، وحصل عليها معهد كاليفورنيا للجيولوجيا وعلوم الكواكب، ويهدف المشروع إلى تطوير تقنيات جديدة لتوصيف الصور الملتقطة من الفضاء التي من شأنها السماح بمراقبة التغيرات طويلة الأجل على سطح الأرض، بصورة دقيقة، ما يسهم في تحسين توقعنا للتغيرات الحادثة في حركة الأنهار الجليدية والنشاط الزلزالي .
سادساً مجال التعليم:
* معهد نيلسون مانديلا للعلوم والتكنولوجيا، وتموله حكومة تنزانيا، على مساحة 200 فدان، والقروض مقدمة من هيئة الضمان الاجتماعي، وصناديق التقاعد، ويتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع ملياري دولار، ويعتبر مركزاً جديداً للبحث العلمي في أروشا، وعلى الرغم من انه مازال حالياً قيد البناء، فإنه سيفتتح فصوله الدراسية هذا الخريف، وسيقدم منحاً للحصول على الماجستير والدكتوراه لطلبة العلوم الفيزيائية والهندسية، والمشروع يحتل أهمية خاصة في هذا المكان من العالم الذي يفتقر إلى البحوث العلمية المتطورة، ويتوقع أن يصبح نموذجاً شبيهاً بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في أمريكا .
* برنامج العلم بلا حدود، وتموله الحكومة البرازيلية، بتكلفة تبلغ ملياري دولار، ويهدف إلى ابتعاث ما يقرب من 75 ألف طالب برازيلي مهتم بالعلوم الفيزيائية والهندسية، على أمل تعزيز البنية التحتية العلمية في البرازيل . ويكتسب المشروع أهمية خاصة باعتبار البرازيل الاقتصاد السابع على العالم، وهى محاولة لدعم البنية العلمية لديها، بعد تحقيق علمائها إنجازات هائلة على مستوى أبحاث الخلايا الجذعية .
* مشروع إنشاء معمل بيل ناي للتغير المناخى، وتموله مؤسسة GBMF الأمريكية بمنحة تقدر 8 .1 مليون دولار، تشمل المساهمة في تصميم وبناء المعمل والمعرض المصاحب له، وتدشين موقع خاص به على الإنترنت، ويكتسب المشروع أهميته من ضرورة تعلم كافة الأعمار،وفهم المبادئ الأساسية لتغير المناخ، وكيف تؤثر فيهم، وكيف يمكن التصدي لها .
المصدر: دار الخليج