على مدى عقود طويلة، اختلف علماء الفلك فيما بينهم على وصف كوكب المشتري بـ''صديق'' أو ''عدو'' الأرض، فبعضهم يؤكد أن الكوكب الغازي الضخم قام بتوفير حماية لعالمنا الصغير من الهجمات النيزكية شديدة الشراسة، فيما يؤكد أخرون أن المشترى قد يرسل لنا مجموعة من الكويكبات القادرة على تحطيم حضارتنا فى لحظات.

يبعد المشترى عن كوكب الأرض بنحو 628 مليون كيلومتر؛ عندما تكون المسافة بينهما فى أدنها، فيما يبلغ أقصى تباعد حوالي 928 مليون كيلومتر، ويدور نقاش العلماء حول مدي تأثير كتلة المشترى، التي تزيد عن كتلة الأرض بـ320 مرة، على النظام الشمسي ككل، ومدى تأثير تلك الكتلة الضخمة، ليس على الكويكبات الصغيرة الممتدة فى حزام الكويكبات الواقع بين العملاق الغازي والمريخ فحسب، بل على المنطقة المدارية لكوكبنا الأزرق.

يدور كوكب المشترى حول الشمس فى مدار اهليجي شاذ، يميل بمقدار 1.3 درجة عن المدار الاعتيادي لكوكب الأرض، وبسبب هذا الشذوذ، يقترب أو يبتعد المشترى عن الشمس بمسافات شاسعة للغاية كل 75 مليون سنة، وهو ما يسبب خللاً فى جاذبية المشترى بسبب قوى الجذب المتبادلة بينه وبين الشمس،فماذا لو كان مدار المشترى أكثر شذوذًا؟ وهل يؤثر ذلك المدار على جعل كوكب الأرض صالح للحياة؟ موضوع ناقشه مؤتمر علوم الفضاء تحت عنوان ''دور كوكب المشترى فى قيادة التطور المداري للأرض''.

للوهلة الأولى، يبدو للباحثين موقف المشتري محايد حال حدوث تغييرات فى المدار الاهليجي، فحتى إذا حدث ذلك التغيير لن تتأثر الحياة على كوكب الأرض تأثيرًا جذريًا، وسيستمر كوكبنا مؤهل لقيام الحضارات، غير أن الدراسات المتقدمة تؤكد ضرورة حدوث تغيُر فى المناخ الأرضي فى حالة حدوث تغير فى المدار المعتاد للمشتري، فذلك التغير سينبع من تأثير المدار الجديد على كميات آشعة الشمس التي يتلقاها كوكب الأرض وسيقود ذلك الاختلاف إلى تباين فى درجات الحرارة المُعتادة على سطح الكوكب الأزرق.

المسح الفلكي للتلسكوبات العملاقة كشف عن حقيقة مُذهلة، إلا وهي أن الكوكب تميل إلى التكون فى مجموعات، بمعنى أن الأنظمة الكوكبية التي تم العثور عليها خارج نظامنا الشمسي تحتوي على كواكب غازية وصخرية وربما مائية، فالاختلاف في طبيعة سطوح تلك الكواكب ربما يكون مسئولاً عن حفظ توازن المجموعات وعدم انهيارها، وبالتالي، فوجود المشتري ضمن مجموعتنا الشمسية ربما يكون له عظيم الأثر على جعل كوكب الأرض صالحًا للحياة.. هكذا يقول المُدافعون عن الكوكب العملاق.

لسنوات وسنوات، يدرس المهتمون بالشأن الفضائي تأثير حركات الأجرام على كوكب الأرض، ويقول الباحث فى الجيولوجيا الفضائية ''ديفيد ويلثام'' فى مقدمة ورقته البحثية المُقدمة بالمؤتمر العلمي بأستراليا، حصل ''مصراوي'' على نسخة منها، إن وجود القمر على سبيل المثال ''يزعزع استقرار محور الأرض'' فببحثه المبدئي عن الأثار المترتبة على وجود القمر، تمكن من إثبات أن وجوده يُبطئ من معدل دوران الأرض، وهو الأمر الذي يعني أن محور الأرض في النهاية سيصبح غير مستقر؛ فى غضون 6 مليار سنة على الأكثر... تلك الدراسة قادت ''ويلثام'' وصديقه عالم الفلك ''جونتي هورمر'' إلى البحث عن مدي تأثير الكواكب الأخرى على عالمنا.

بدأ الباحثان في تصميم نموذج حاسوبي للنظام الشمسي، وراعوا فى التصميم أن يتفق النموذج مع الواقع من حيث كتلة الكواكب وظروف انطلاقها ومدارتها وموقعها، وبدأ كليهما فى إجراء تغييرات على موقع المشتري ومداره، ثم حولوا مدار المشتري فى نموذجهم الكومبيوتري ليصبح شديد الشذوذ، وقاموا باستخدام عشرات الآلاف من التباديل لمحاكاة موقع الكوكب الضخم كل مليون عام، وسجلوا الانحراف المداري الحقيقي لكوكب المشتري بالاعتماد على بيانات حاسوبية شديدة الدقة، ليلاحظوا أن مقدار الشذوذ في مدار العملاق الغازي سيؤثر بدون شك على مدار كوكب الأرض، وإن كان بشكل طفيف، وهو ما سينجم عنه تغيير فى درجات الحرارة فى فصول السنة الأربعة.

على الرغم من أن الدراسة الحالية ترتكز على علاقة الأرض بالمشتري، إلا أن الباحثين يؤكدون أن هناك ثمة علاقات أهم، مثل علاقة مدار عطارد حول الشمس بكوكبنا وعالمنا الأرضي.



الدراسة المؤلفة من قبل ''ويلثام'' يمكن أن تساعد على معرفة مدى صلاحية الكواكب من خارج مجموعتنا الشمسية للحياة، بالإضافة إلى المساعدة فى فهم أكثر لكوكب المشتري، والذي أطلق عليه الرومان أطلق الرومان عليه اسم جوبيتر إله السماء والبرق، يؤكد ''ويلثام'' أن وجوده يمنع أخطار داهمة عن كوكب الأرض؛ إلا إنه يشكل أيضًا خطرًا على الكوكب حال حدوث تغير فى مداره، ويقول ''هورنر'' المشارك فى الدراسة ''إذا قمنا بتغيير ولو بسيط فى مدارات كواكب مجموعتنا الشمسية ستحدث فوضي عارمة.. نتمني أن يبقى المشتري فى مداره'