شرح حديث: (لا يحل دم امرئ مسلم)


من الأربعين النووية






عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة))؛ رواه البخاري ومسلم.


منزلة الحديث:
• هذا الحديث قاعدة من قواعد الدين الحنيف الذي يقرر حفظ نفس المسلم من الهلاك إلا عندما يرتكب جريمة الزنا أو القتل والردة، بأسلوب رادع زاجر[1].


• وقال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -: وهو من القواعد الخطيرة؛ لتعلقه بأخطر الأشياء، وهو الدماء، وبيان ما يحل منها وما لا يحل، وإن الأصل فيها العصمة، وهو كذلك عقلًا؛ لأنه مجبول على محبة بقاء الصور الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم[2].


غريب الحديث:
• بإحدى ثلاثٍ: أي بإحدى ثلاث خصال.
• الثيب: من ليس ببكر، ويقع على الذكر والأنثى، يقال: رجل ثيب، وامرأة ثيب.
• النفس بالنفس: أي تقتل النفس بالنفس التي قتلت عمدًا بغير حق.
• التارك لدينه: هو المرتد عن الإسلام.


شرح الحديث:
((لا يحل دم امرئٍ مسلمٍ))؛ أي: لا يجوز إراقته، والحكم شامل للرجال والنساء، كما لا يجوز قتل مسلم بشبهة أو اختلاف رأي، كما قال القرطبي - رحمه الله -: ودماء المسلمين محظورة لا تستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف[3]؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 151].


((إلا بإحدى ثلاثٍ))؛ أي: خصال ثلاث.


((الثيب الزاني)) وهو من تزوج ووطئ في نكاح صحيح، وزنا بعد ذلك، سواءٌ أكان ذكرًا أم أنثى، إذا كان بالغًا عاقلًا حرًّا، وعقوبته الرجم، وهو الرمي بالحجارة حتى الموت؛ لأنه مشروع في حقه، وقد رجم نبي الله صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية، وكذا اليهوديين.


((والنفس بالنفس))؛ أي: تقتل النفس في مقابلة النفس؛ أي: قصاصًا بشرطه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، وقال تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ [البقرة: 179]، ويستدل به - أي الحديث - أصحاب أبي حنيفة - رضي الله عنهم في قولهم -: يقتل المسلم بالذمي، ويقتل الحر بالعبد [4].


((التارك لدِينه))؛ أي: المرتد عنه لغير الإسلام فيقتل، ما لم يعُدْ إلى الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من بدَّل دِينه، فاقتلوه))[5]، ولأن العلة التبديل، وقد وجد.


فائدة:
استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على أن تارك الصلاة لا يقتل بتركها؛ لكونه ليس من هؤلاء الثلاثة، أما ابن القيم - رحمه الله - فقال: إن هذا الحديث حجة في قتل تارك الصلاة، فإن تارك الصلاة تارك لدينه؛ فالصلاة ركن الدين الأعظم، لا سيما إذا قلنا: إنه كافر، فقد ترك دينه بالكلية. [6]؛ اهـ.


((المفارق للجماعة))؛ أي: المفارق لجماعة المسلمين بترك دينه، فهي صفة موضحة ومؤكدة؛ لأن من ترك دين الإسلام، لم يعد يتقيد بشيء مما عليه جماعة المسلمين.


الفوائد من الحديث:
1 - احترام المسلم، وأنه معصوم الدم.
2 - تحريم فعل هذه الخصال الثلاث أو بعضها، وأن من فعل واحدة منها استحق عقوبة القتل: إما كفرًا، وهو المرتد عن الإسلام، وإما حدًّا، وهما: الثيب الزاني، والقاتل عمدًا.
3 - وجوب حفظ الأعراض ونقائها.
4 - الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم مفارقتهم.
5 - شرع الله الحدود لردع الجناة، ولحماية المجتمع ووقايته من الجرائم.
6 - الترهيب من قتل النفس التي حرم الله.
7 - الحديث من قواعد الشرع العظيمة؛ لتعلقه بالمحافظة على الدِّين والأعراض، والأنساب والدماء.
المصدر / الالوكه